آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 2:26 ص

مأذون وقصة

أُحبكَ يا كل عمري

الشيخ محمد الصفار

بعد أن أجريت عقد النكاح إلى العريس، اتجهنا إلى بوفيه الطعام، وكان مليئًا بما لذ وطاب، كان إجراء العقد في قاعة كبيرة، وكان عدد الحضور كثيرًا، والجو تملؤه البسمات والسعادة، والدعاء من المؤمنين أن يوفق الله الزوجين إلى ما يحب ويرضى، وأن يرزقهما الذرية الصالحة والعشرة الحسنة.

أثناء تناول الطعام أحاط بي العريس ووالده، فكنا نتجاذب أطراف الحديث، فهمت من العريس وكان في أواخر العقد الثالث من عمره «29» سنة، أنه متزوج، وأن هذه هي الزوجة الثانية، كان أبوه يقولها بطريقة فيها بعض الفخر وربما الحسرة: ابني أشجع مني، فهو تجرأ وتزوج ثانية وأبوه لا زال ذي زوجة واحدة.

سألت الشاب العريس هل لك أولاد من زوجتك؟ فأجابني تزوجت منذ 4 سنوات، ورزقت ولدا واحدا، ثم أشار إلى شخصين يأكلان الطعام، وقال هذان أخوان لزوجتي، قلت له ما شاء الله، الله يوفقك ويسعدك ويبارك في حياتك.

لم تفارق ذهني أسئلة التعجب، كيف يحضر هذان زواجه على امرأة أخرى؟ ألا يراعيان مشاعر أختهما؟ ألا يشعران بالحرج من نظرة الناس؟

دفعني الفضول لسؤاله: والدك لم يتزوج بامرأة ثانية كما قال، فهل عمك والد زوجتك لم يتزوج بثانية أيضًا؟ قال: نعم لم يتزوج بثانية، قلت له: فهذان الشابان أخوان لزوجتك من الأب والأم؟ قال: نعم من الأب والأم.

عدت أتناول طعامي، وكأن الأمر لا يعنيني، وبدأنا ندردش في أحاديث خفيفة وبعيدة عن الموضوع، بعضها مهمة، وبعضها فيه روح الدعابة والمفاكهة والفرحة، لم تمر سوى دقائق معدودة، حتى أعطى جوال العريس إشارة مسموعة، وعلى عجل فتح جواله، فتغيرت ملامح وجهه، وأصبحت بعض مظاهر الألم والحزن ترسم نفسها على محياه، كلامه بتكلف، وفكره شارد، وبسمته ليست كما كانت.

ودعت الحضور مستأذنًا وخرجت، فتبعني العريس وقال لي: إذا لم تكن مستعجلًا فأود أن ترى شيئًا، أخرج جهاز الهاتف «الجوال» وقال: هذه الرسالة وصلتني من زوجتي قبل قليل، أخذت الجهاز منه، بينما كان يغالب دموعه.

لا أتذكر نص الرسالة، وليتني طلبت منه أن يرسلها لي، لكنها رسالة محملة بالفرح والدعاء له بالسعادة والخير، والذرية الصالحة، وفي ختامها هذه العبارة التي لم تغادر ذاكرتي «لا تنس أني أُحبكَ يا كل عمري».

أعدت إليه الجهاز، وعيني تقول له إني حائر، لا أدري ماذا أقول لك، لكنه بادرني بالقول، أنا أحب زوجتي حبًا لا يوصف، لكن مرضًا فتك بها منذ سنتين جعلها غير قادرة على تلبية حاجتي، فكانت تدفعني للزواج، وتُصر عليّ، وكانت تقول لي دائمًا زواجك من ثانية لا يعني أنك تكرهني، فأنا أعلم محبتك لي، ولأني أحبك كما تحبني فمن كل قلبي أدعوك للزواج.

قلت له: تستحق منك الوفاء والإخلاص لها، فلا تغفلها ولا تنساها، فمثلها قليل ونادر، ثم ودعته وانصرفت.

مستوحيات القصة:

1/ التفاهم بين الزوجين أساس لكل خير بينهما، سواء كانا في سراء أم في ضراء، فلا يوجد أفضل وأحسن من الكلام الصادق، والحديث الصريح، فالتفاتح في الأمور يجعل الحياة تسير بسلاسة ورضا، لا يشعر طرفاها بالغبن والخديعة والتصرفات المريبة، لأن هذه الأمور تحوّل حياة الزوجين إلى جحيم.

2/ الحب إحساس بالآخر وبحاجاته، الحب ليس تشبثًا بالآخر وإن كان على حسابه، وعلى حساب مستقبله، فإذا كُنتُ قادرًا على تلبية حاجاته فهذا وضع، وإذا لم أكن قادرًا فهذا وضع آخر، ولكل وضع من هذين الوضعين طريقة ومنهجية في التعامل.

3/ لا بد من التفكيك بين الزواج من الثانية وبين الكره للأولى، فالزواج من الثانية لا يعني بالضرورة كرهًا للأولى، إن هذه الفكرة مغلوطة، وهي سبب في دمار الكثير من الأسر التي كانت السعادة تغمرها وترفرف في تفاصيل حياتها.

4/ لا زال الزمن يكشف لنا يومًا بعد آخر أن للبيوت أسرارها، وأن من في المنزل هم الذين يعلمون خفاياه وتفاصيل أموره، فالزوجان هما من يفهمان بعضهما، ولا يمكن لأي شخص أن يفهم الأسرار بينهما وعنهما مهما كان قربه وعلاقته بهما أو بأحدهما.