آخر تحديث: 1 / 12 / 2024م - 4:21 م

العلاقة بين الخير والعدل

أمير بوخمسين مجلة اليمامة

﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره [الزلزلة: 7-8]َّ ﴿إن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]. من منظور فكري، عادة ما يثار نقاش حول العلاقة بين مفهومي الخير والعدل. هناك عدة آراء حول هذه القضية:

الخير والعدل متلازمان: هذا الرأي يرى أن الخير والعدل مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، بحيث لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر. فالعدل يتطلب تحقيق الخير للجميع بالتساوي.

الخير والعدل متعارضان: هناك من يرى أن الخير والعدل قد يتعارضان في بعض الأحيان، فالسعي لتحقيق الخير قد يتطلب إجراءات غير عادلة، في حين أن السعي للعدالة قد يتطلب تضحيات في سبيل الخير.

الخير والعدل مستقلان: هناك من ينظر إلى الخير والعدل على أنهما مفهومان مستقلان لا يلزم ارتباطهما، وقد يتحقق الخير دون تحقيق العدالة، والعكس صحيح.

إذ لا يوجد إجماع فكري على طبيعة العلاقة بين الخير والعدل. وتختلف الآراء بشأن ما إذا كانا مترابطين أم متعارضين أم مستقلين. يعتمد ذلك على المرجعية الفكرية والأخلاقية التي ينطلق منها كل مُفكر.

في العلاقة ما بين الخير والعدل، نجد أن بعض الحلول الوسطية تجمع المفهومين في المجتمع وذلك عبر التالي:

التوازن: السعي إلى تحقيق نوع من التوازن بين الخير والعدل، بحيث لا يتم تحقيق أحدهما على حساب الآخر. وهذا يتطلب إيجاد توافق واتزان بين المصالح الفردية والعامة.

الأولويات المتغيرة: الاعتراف بأن الخير والعدل قد يأخذان أولويات مختلفة في سياقات مختلفة. ففي بعض الأحيان، قد يكون تحقيق العدالة أولوية، وفي أحيان أخرى، تحقيق الخير العام.

المرونة والتكيف: تبّني مقاربة مرنة وقابلة للتكيف بحسب السياقات المختلفة. فالحلول الوسطية قد تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، بناء على الظروف والقيم السائدة.

التشاركية والحوار: تعزيز الحوار والتشاور المجتمعي لإيجاد صيغ توفيقية بين الخير والعدل، بما يراعي مصالح الجميع وتطلعاتهم.

المؤسسات والقوانين: إنشاء مؤسسات ووضع قوانين وآليات تنظيمية تسمح بالموازنة بين مفهومي الخير والعدل في المجتمع.

وبالتالي يمكن إيجاد حلول وسطية تحقق قدرًا من التوازن والانسجام بين الخير والعدل، مع الاعتراف بأن هذا التوازن قد يكون متغيرًا ومرنًا حسب السياق.

والأمثلة الملموسة على حلول وسطية بين الخير والعدل في المجتمعات كثيرة:

نظام الضرائب التصاعدي: حيث يتم فرض ضرائب أعلى على الأفراد ذوي الدخول المرتفعة لتحقيق قدر أكبر من العدالة التوزيعية، مع الحفاظ على الحوافز للإنتاج والنمو الاقتصادي.

سياسات الرعاية الاجتماعية: كنظم الضمان الاجتماعي والتأمينات الصحية والتعليمية المدعومة من الدولة، وذلك لتحقيق حد أدنى من الرفاهية للجميع، مع الحفاظ على مبادئ العدل والمساواة.

التشريعات والسياسات البيئية: كالقوانين الخاصة بحماية البيئة والموارد الطبيعية وذلك لتحقيق المحافظة على البيئة، مع مراعاة مصالح مختلف الأطراف المتأثرة.

برامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي: كإعادة توزيع الأراضي الزراعية أو برامج محو الأمية التي تحاول التوفيق بين تحقيق الخير العام وضمان العدالة الاجتماعية.

التشريعات والقوانين التي تنظم العلاقة بين العمل والرأسمال: كقوانين الحد الأدنى للأجور وساعات العمل، فهي تسعى لتحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل.

هذه الأمثلة على الحلول الوسطية تحاول الموازنة بين الخير والعدل في المجتمعات، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى في مجالات مختلفة.