وقوفاً عند ما رأيك أنت - وقوفاً بها للكاتب الأستاذ محمد العلي
كثيراً ما تعجبني مقالات الأستاذ محمد العلي أنها سلسة للغاية وعميقة لمن يستوعبها، بل هي كما وصفها كلمات مائية، ومن مقاله المنشور في مجلة اليمامة بتاريخ 21 نوفمبر 2024 نبدأ بالعبارة التي استفتح بها «المبدع يعيش بين جحيمين: الذات والآخر» وقال لو قالها غير سارتر لرشقناه بالتشاؤم، وهذا هو الحاصل فعلاً في هذا المحيط المزعوم بالثقافة والأدب، حيث لا يعتدون بكاتب غير معروف وإن قال صواباً أو فعل كما يفعل الكتاب الكبار، فقليل ما تجد من يحفز، وما رأيناه العشوائية والشللية التامة، هذا هو حال بعض المبدعين.
كنت أظن أن الجحيم الذي يتصدى له هو المجتمع الذي يحب التفكير، ويفتخر بأنه تبعي، ولكن اتضح بأن جحيماً آخر كالمستنقع يتربص للمبدع، يظهر وكأنه ماء ولكن ما إن تقترب منه فإذا هو سراب.
وهنا أذكر موقفاً حدث لأحد الأصدقاء عندما دخل موجة القصص أصدر له كتابا جمع فيه تلك القصص وقامت مجموعة بعمل قراءة لكتابه وكانت في أحد المقاهي إلا أن أحدهم أخذ يجلد فيه بنقده وليست هذه المشكلة، ولكنها هنا عندما قال له كم كتاباً قرأت؟ وعليك أن تقرأ قبل أن تفكر بكتابة القصص، كن مثل الكبار! وبعد ما يقارب أسبوعين هذا المتجهم الذي ولع نار كلماته للكاتب، كتب مقالاً يشيد بذلك الكاتب المصري الذي طبع أول إصداراته ولم يقرأ حرفاً واحداً من القصص!
قد يقول قائل نعم ذلك الكاتب ربما أجاد في قصصه، أقول له لو لم يعرف ذلك الكاتب لهجم عليه ذلك المتعنت، المتقلب في رأيه، فكثير من هذا المحيط الذين يصفقون للكبار، ويحطون ممن هم كبار، ولكنهم غير معروفين ربما، فها أنا الآن لو أني أوجه كلمة نقدية لهذا الكاتب العملاق ستنهال اللكمات ممن يقدّسونه ويعبدونه، نعم يعبدونه، واذكر مثالاً آخر عندما كنت أكتب عن التدين، هناك ممن حاول التهجم علي ببعض كتاباتهم من بعيد، وبعد فترة زمنية كتبوا مقالاتهم عن التدين وصفقوا لأنفسهم وصفق لهم بعض المتابعين المتملقين.
لا أطيل عليكم ولكن حانت الفرصة لذكرهما، ونعود لما قاله العلي وعن الفلسفة التي ذكرها في مقاله ولن أتحدث عنها بل عن القلق الدائم الذي يراود كل إنسان يسعى للوصول إلى حقيقة أمر ما، وهذا ما يعانيه الصديق، صاحب الكلمة اللذيذة قبل دخوله محنة القصص، هذا الرجل لديه تحليل في كثير من الأطروحات الذي لا يعرفها الكثيرون عنه وهؤلاء الآخرون الذين قال عنهم العلي يقفون ضد تحقيق الرغبات وهذا أحد الجوانب وإلا هي كثيرة ولن أذكرها، منها غير ما هو في محيط الثقافة والأدب، والقطيع منهم كثر الذين لا يجيدون طريقة التفكير ولا حتى الحداثة، فليحضر العلي للأمسيات التي تقام ليرى ويلقي نظرته العامة، سيرى أول الظلام فيها تعاملهم مع المرأة، نعم ما يحدث في الظاهر غير الداخل، ستراها محاطة بتقاليد لا تطبق إلا في أماكنها، نعم فلينظر العلي حوله جيداً ليرى ذلك القطيع الذي تحدث عنه، بل يدعون بأنهم راقين وناضجين، ولكنهم يعمهون في الراحة التي لا تفكير فيها، ولا يفهم من كلامي أني أعمم بل أراهم كثر ولن أحدد تصانيفهم الثقافية والأدبية، نعم أيها الكاتب الكبير إن القطيع في راحة تامة …فهل لك أن تسألهم؟
وأنا واثق أنك لن تغضب، وأقول كما قلت قد يغضب البعض مما ذكرته ولكن لا بد من ذكرها، ولا بد للمبدعين ممن يلبسون ثوب الحداثة ويعيشون بتفكير القطيع أن يتحرروا، وأخبرك بأنهم يحبون الراحة في دواخلهم ويدعون التفكير خارج الصندوق ولست بشاق صدورهم، ولكن انظر جيداً.