آخر تحديث: 1 / 12 / 2024م - 4:21 م

عقلانية: الطريق إلى حياة متوازنة وقرارات حكيمة

عيسى العيد *

الإنسان مخلوق يتكون من جانبين: جانب مادي يتمثل في الجسد وما يحتويه من أعضاء، وجانب معنوي يشمل الرغبات، الغرائز، والعواطف، مثل الحب والكراهية. كلا الجانبين بحاجة إلى ميزان ينظم ويوازن تصرفاتهما المادية والمعنوية، وهذا الميزان هو العقلانية. فالعقلانية هي الأداة الفكرية التي تؤثر على سلوك الفرد، وتساعده على تحقيق التوازن بين عواطفه ورغباته، مما يضفي على سلوكه بُعدًا من الأخلاق الحميدة.

يربط البعض العقلانية بالتفكير والتحليل العلمي، وتحويل النظريات المعقدة إلى نظريات منطقية يسهل التعامل معها. ومن خلال ذلك، يستبعدون السلوكيات الأخلاقية عن العقلانية، حيث يعتبرون أن تلك مرتبطة بالعواطف والغرائز العامة لدى كل فرد. ويرى ديفيد هيوم أن العقل محدود في تأثيره، وأن العواطف هي المحرك الأساسي للسلوك البشري، وليس العقل وحده. يشكك هيوم في قدرة العقلانية على توجيه الإنسان في كل قراراته، ويعتقد أن الأحاسيس والمشاعر تلعب دورًا رئيسيًا في اتخاذ القرارات.

لكن العكس من ذلك تمامًا، إذ إن العقلانية تميز بين الصالح من التصرفات وتساعد على تهذيبه؛ فحين تكون العقلانية حاضرة في جميع تصرفات الفرد، تضع المكابح أمام القبيح من التصرفات. يرى إيمانويل كانت أن العقلانية ليست فقط القدرة على التفكير والتحليل، بل هي أيضًا القدرة على استخدام المبادئ الأخلاقية. العقلانية عند كانت تتجاوز المعرفة لتشمل المجال الأخلاقي، حيث تعتبر العقلانية الأخلاقية شرطًا أساسيًا للحياة الكريمة والمسؤولة.

وليس معنى ذلك أن العقلانية تقف أمام العواطف أو القرارات كصخرة مانعة؛ كلا، بل إنها تدير العواطف بشكل جيد وتساعد على توجيهها نحو المسار الصحيح.

مثال على ذلك في حالة الخلاف مع صديق أو زميل في العمل، قد يشعر الشخص بالغضب أو الإحباط. إذا تحلى بالعقلانية، سيتجنب الانفعال العاطفي المباشر ويحاول فهم وجهة نظر الطرف الآخر، مما يساعده على حل الخلاف بموضوعية وهدوء، بدلاً من التصرف بدافع العاطفة

مثال آخر في اتخاذ القرار المناسب بالعقلانية عند التفكير في استثمار مبلغ مالي في مشروع ما، قد يشعر البعض بحماس شديد إذا كان العائد المحتمل مرتفعًا. العقلانية هنا تتطلب تحليل المخاطر بعناية والتفكير في العواقب الممكنة، والتأكد من أن القرار مبني على معايير منطقية، لا مجرد رغبة في تحقيق ربح سريع.

هل العقلانية متاحة للجميع؟

لا شك ولا ريب أن كل فرد من الناس يمتلك العقلانية، لكنها تتفاوت بين الأفراد. فقد يكون لدى أحدهم عقلانية قوية، بينما تكون ضعيفة أو خامدة لدى آخرين. العقلانية قيمة ونعمة من المفترض تنشيطها بشكل جيد، حالها كحال أعضاء الجسم، لكي تواجه الضربات القوية والصعوبات المختلفة.

من السهل معرفة كيفية تمرين أعضاء الجسم بمختلف الرياضات التي تساعد في تنشيطها، لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: كيف يتم تنشيط العقلانية؟

تنشط العقلانية بالقراءة التي تعزز دورها، كقراءة كتب الفلاسفة وعلم النفس والاجتماع التي تلعب دورًا كبيرًا في تهيئة الذهن وصناعة عقلانية نشطة. الأمر الثاني والمهم هو مخالطة أهل العلم والمعرفة وأصحاب العقول المستنيرة، وفتح أبواب النقاش معهم، وتقمص أدوارهم وكيفية التعامل مع مختلف الأمور.

الخلاصة:

عندما تمتلك العقلانية، تمتلك ما تتمناه، فهي التي تساعدك في اتخاذ قرار حكيم في تجارة، أو دراسة، أو صداقة. فالعقلانية كنز يخسر من لا يستغل ما فيه من خيرات.

وإذا كانت المناهج التعليمية تهتم بتعزيز التفكير النقدي وتطوير العقلانية، فمن المتوقع أن ينتج عنها جيل أكثر وعيًا واستعدادًا لمواجهة تحديات الحياة.