آخر تحديث: 1 / 12 / 2024م - 4:21 م

الفعل بين براثن الكلام

كمال بن علي آل محسن *

يستخدم الناس الكلام - في الغالب - كأداة للتواصل بينهم ووسيلة للتفاهم فيما يتعلق بأمور حياتهم المختلفة، ولكن يبقى الكلام كلامًا فما هو إلا حروف تخرج من الأفواه لا أكثر، ولا علاقة له بالفعل الذي يتطلب الحركة والقيام والجهد والعمل.

في دنيا الناس نعاني كثيرًا من ظاهرة الكلام وكثرته مع غياب تام للأفعال، ويعيش أصحاب الأفعال الألم والوجع خلف كواليس الحياة، مع بعدهم التام والاختياري عن منصة المسرح التي تغص بأهل الكلام وتضج بهم، وبطبيعة الحال فإن الصخب الذي يحدثه أصحاب الكلام يجعل الناس يُوجّهون إليهم بوصلة النظر والاهتمام متغافلين عمن لهم الدور الحقيقي والفعلي وهم أصحاب الأفعال.

قوة الكلام بما يحدثه من ضجة تجعل منه براثن تحاول التهام الأفعال، فلا تمهلها كثيرًا، فإما أن تقضي عليها فلا تبقي لها باقية، وإما أن تُضعف دورها، فلا تكاد الأفعال تُضيء بل تكون مفردات الانطفاء والذبول والانكماش هي صفاتها؛ مما يجعل عيون الناس بمنأى عنها، ولا يبقى أمامهم إلا وهج الكلام بكل ما فيه من جمل مرتبة وعبارات منمقة وتعبيرات شاعرية، مع خلوه من العمل والفعل.

أظن بأن هذا الظهور القوي والمؤثر لأصحاب الكلام يجعلهم يعيشون منعمين، فهم لا يفعلون شيئًا، بل ويقبعون في منطقة الراحة والكل يشيد بهم وبما يقدمونه، مع أنهم لا يقدمون شيئًا ألبتة، أما أصحاب الأفعال فإن تهميشهم لا يؤذيهم، بل يزيدهم عطاءً، لأن عملهم ليس موجهًا للناس بل لرب الناس، ولكن إن استمر الحال بهذا الواقع المؤلم فإن البقية الباقية من الناس سيجعلون من أصحاب الكلام قدوة لهم فيما ينطقون به، وبذلك يتحولون إلى أصحاب كلامٍ جدد ينضمون إلى سابقيهم، والخوف كل الخوف لو وصل التأثير إلى أصحاب الأفعال، وبادروا بالانضمام إلى تلك الفئة الكبيرة، فإن ذلك سيؤدي إلى أن يتحول كل المجتمع إلى أصحاب كلام وكلام فقط.

إننا في هذا المشهد دائمًا ما نرى أصحاب الكلام يقدمون المبررات والذرائع والمسوغات لعدم قيامهم بأي فعل مستخدمين في ذلك برامج التواصل الاجتماعي كوسيلة برّاقة للنشر، ومن هم خارج دائرة المستفيدين يستميحوهم العذر ويقبلون مبرراتهم ويرضون بمسوغاتهم، ولكن المستفيدين والمحتاجين للفعل لا يعنيهم كل ذلك، فهم ينتظرون العمل وقضاء حوائجهم، ولا يقوم بذلك الدور سوى أصحاب الأفعال والذين يشاهدون سلوك أصحاب الكلام فيسوؤهم ذلك ويتعبهم فيقومون بجهد مضاعف وعمل أكبر؛ كي يسدوا خانة أولئك.

براثن الكلام وصمت المجتمع عاملان كبيران يقفان حائلاً أمام إظهار الواقع المشرق لأصحاب الأفعال، وعلى العكس من ذلك فإنهما يشكلان القوة الضاربة لأصحاب الكلام؛ كي يظهروا كالنجوم اللامعة في سماء الناس.

يقول أحدهم: «المواقف تكشف الناس، فلا تحكم على أحدٍ من كلامه، الناس مثاليون حين يتحدثون».