معنى أن يصيبك ذل...!
أقسى أنواع العذاب هو الذل، وأقصاه هو الخزي الذي يخضع النفس ويسلبها عزها، وهو الخطيئة التي يرتفع عنها الستر. فلا ذل أعظم ممن أخزته ذنوبه وفضحته بين الناس خطاياه...!. في كتاب الله تعالى ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: آية 124]. فمع كل ذنب نزول، ومع كل خطيئة انحطاط عن مرتبة، ومع كل جرم فقد لعزة النفس وتضحية بجمالها...
فاعل الخطيئة ذليل وإن عز في أعين الناس إلى حين!. إن الله وعده ذلا نازلا به ولن يخطئه... «سيصيبه صغار» ذاك الصغار الذي لا رفعة له بعده في الدنيا، ولا منزلة له بعده في الآخرة...!. لأنه تقدير الرافع... والخافض... يرفعك بحوله إن أحبك ويخفضك بقوته في الذل والهوان إن أبغضك.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: آية 26].
من منا يسلم من ذل الضعف... أو ذل القهر... أو ذل الحاجة إلى الناس، أو ذل إفراط الشهوة، أو ذل المرض والعجز، أو ذل العوز للحب وظمأ العاطفة... أو طلب رحمة من لا يراك ولا يرحمك، أو ذل خيبة المسعى...! أو ذل صراخ العجز في كل شيء فيك وصمت لسانك...! لا أحد يسلم إلا من رحمه ربه بستره، ورفعه إليه بعزته...
في القرآن الكريم ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: آية 10].
العزة كلها له وبيده سبحانه... وبتمام الانقطاع إليه تنال العزة وتعتق النفس من الذل، بتمام التوكل ترتفع النفس عن الرجاء في الخلق، فمن يولي وجهه نحو ربه يعرض عن وجوه الناس، ومن أيقن قلبه بكرم ربه لن يحمل طمعا في عطية أحد من خلقه...!. بمقدار قربك توهب العز والرفعة... وبمقدار بعدك تنال الذل والمسكنة...!.
﴿وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يونس: آية 65]. معنى أن يصيبك ذل... أن تطلب من الناس ما لا تستحق...!. أو تسألهم عطية...! أو تطمع بما في أيديهم...! أو تديم النظر في نعمة الله عليهم...! أو ترتجي الرفعة في أعينهم...
سيصيبك ذل بمقدار عجزك عن التجرد من نزعة التملك والملك... وسيصيبك ذل بمقدار ضعفك عن العفة... وسيصيبك ذل بمقدار ما ترفع نفسك وتعلي من شأنها بغير استحقاق...!.
ينبغي على الدوام أن ندرك أن الذل عقوبة... وإن الخزي فضح لها... وإن الذي يصيبك بها هي خطيبتك... وإنه استحقاق لطغيانك... وغرورك... وإن الله تعالى ينزله عليك برفع ستره عنك فقط، ويخلي بينك ونفسك فتعجز عن سترها، وتنطق جوارحك بما يخزيك...!!
الذل صناعة بشرية يناله العبد بوصفه استحقاق له وعقوبة لأفعاله... وخبث باطنه...!. ومعنى أن يصيبك ذل هو أن الله شاء أن يظهر للخلق بعض ما تفعل... وبعض ما تضمر... وبعض ما ستره عليك طيلة عمرك... أن يصيبك ذل يعني أنك نلت ما تستحق من خزي حاضر لا يستحق أن يستره أحد عليك، فإن أبصرت من أخزاه ذنبه في الناس، فتولى عنه بموعظة بليغة لقلبك، ويقظة واعية لنفسك... وبضراعة صادقة لربك... أن يديم ستره عليك.