القراءة والانفتاح
بين الانغلاق والانفتاح في مجال الفكر والحياة طرق متعددة لا تُعد القراءة أبسطها؛ ذلك أن القراءة تعني التعرض لمختلف أشكال الفكر من مختلف المشارب والمذاهب والأديان والتوجهات، والتعرف عليها، بل هي التعرض لخلاصة الفكر الإنساني. وتقود هذه الحالة مع الوقت إلى حصول تراكم في الأفكار والخبرات تكشف الآخر أمام القارئ كما تكشفه هو أمام نفسه حين يتعرف على موقعه في أعين الآخرين؛ لكون الكتب بمنزلة مرآة يرى بها القارئ نفسه، كما يمكنه - إن أراد - أن يرى بها صورة الآخر بشكل أفضل.
وتعد القراءة كسرًا لحال الانغلاق الفكري الذي يغلف حياة البعض حين تتشكل أفكاره ورؤاه ومواقفه مما يدور حوله من أحداث، ومما يسمعه من حوارات لا أحد يعلم صحتها. ويحدد حجم هذه الأفكار واتجاهاتها تعداد هذه المواقف. لذلك فإن الشخص الذي لا يقرأ ولا يخرج من قريته أو مدينته تكون أفكاره مجموع ما وصله منها واستوعبه وفهمه واقتنع به. وهنا فقط يأتي دور القراءة التي تعطي زخمًا كبيرًا لحجم ونوعية الأفكار التي يتعرض لها القارئ، وهو ما ينعكس بالضرورة على التعرف عليها، ومن ثم الانفتاح عليها. وهنا لا نقصد بالانفتاح تقبّل هذه الأفكار أو تبنيها، بل تفهمها وتفهم ظروف الآخر التي أوجبت عليه أن يكون في هذا الموقف. إنها قد تسهم في النتيجة في تقليل المواقف العدائية بين مختلف الأطراف لمجرد الاختلاف والتباين، بل قد يصل الانفتاح إلى حد الدفاع عن الآخر المختلف، وصولًا إلى الموت دفاعًا عنه، كما قال أحد المفكرين: ”قد أكون مختلفًا معك في الرأي، ولكني مستعد للموت دفاعًا عن حقك في إبداء رأيك“.
وهنا يجدر بنا أن نستدرك بالقول إن الانفتاح نتيجة القراءة ليس حتميًّا أبدًا، بل هو كذلك لمن يريد أن يكون منفتحًا ابتداءً، لأن هناك صنفًا من القراء انتقائيون في قراءاتهم حين يقرؤون فقط ما يعزز قناعاتهم ويصب في تقوية آرائهم حول موضوع ما. هؤلاء ينفرون من أي مواد لا تتوافق مع ميولاتهم، بل ويحاربونها حتى إن كان الاختلاف في أمور فرعية. هذا الصنف من الناس ربما لا يستطيع أن يكون منفتحًا ولو قرأ طوال حياته، بل يبقى يدور حول ذاته أو مجموعته داخل أشبه ما يكون بجزر معزولة حين يعيش مع الناس شكلًا لكنه غير متداخل أو غير متقبل لهم.