آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:02 ص

جرعة زائدة... ”أدرينالين العصر وهبة متجذرة“

سهام طاهر البوشاجع *

في وقت مضى، اتخذت أنا وصديقتي زاوية صغيرة في مقهى جديد وصغير قريب من الحي الذي نسكنه، وكان هدفنا أن نستعد لخوض اختبار يخص عملنا. تصفحنا، قرأنا، حفظنا، وشربنا قهوتنا التي امتزجت رائحتها مع عدد الصفحات التي قلبناها بين أيدينا. وتذكرت سؤالاً قد سألت نفسي إياه عدة مرات قبل هذا اليوم، وهو: لماذا يختار الناس المقاهي للعمل أو الدراسة أو القراءة؟

بالرغم من أن المقاهي ليست، كما يعتقدها البعض، تتسم بالهدوء والسكينة، فبعضها يعج بالصخب والموسيقى، سواءً كانت عربية أو أجنبية، إلى درجة أنها قد تزعج حتى الساعات الإلكترونية الذكية، فتطلق تنبيهًا بوجود ضوضاء عالية أو إزعاج غير محتمل. ومع ذلك بقيت أيقونة متجددة وأدرينالين العصر المتجذر من أصول قديمة، وليست مجرد ”هبة“ كما يفسرها البعض.

ولذا أعدت طرح السؤال على أكثر من شخص صادفته: لماذا تختار المقهى للعمل أو الدراسة؟ وقبل أن أجد الإجابة التي أدهشتني حقيقة عند أغلبهم، دعوني أخبركم بما قالته بعض الشخصيات والمشاهير عن المقاهي.

قال الشاعر محمود درويش: ”رائحة القهوة عودة وإعادة إلى الشيء الأول، لأنها تنحدر من سلالة المكان الأول، هي رحلة بدأت من آلاف السنين وما زالت تعود. القهوة مكان، القهوة مسام تُسرِّب الداخل إلى الخارج، وانفصالٌ يُوَحِّد ما لا يتوحّدُ إلّا فيها، هي رائحة القهوة، هي ضدُّ الفطام. ثدي يُرضع الرجال بعيدًا، صياحٌ مولود من مذاق مُرّ، حليب الرجولة، والقهوة جغرافيا“. وقال في موضع آخر: ”القهوة لا تُشرَب على عجل، القهوة أُختُ الوقت. تُحتَسى على مهل.. على مهل.. القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات“.

أما الأديب الكبير بهاء طاهر، فقد تحدث عن جلساته مع صديقه شلبي قائلاً: ”كنا نقضي الوقت في شرب القهوة والحديث عن الأدب والشعر وبعض النميمة عن الحياة الثقافية.“

وللمقاهي تاريخ عريق وحكايات لا تُنسى؛ ففيها أُلفت الكثير من القصائد والدواوين وبعض المقالات، كما استُلهمت بدايات الروايات من حكايات المقاهي ومرتاديها.

فقد وصف الراحل نجيب محفوظ المقاهي بأنها جزء من تراث مصر الاجتماعي، حيث كانت تعقد فيها منتديات وجلسات للأدباء والشعراء الكبار، مثل حافظ إبراهيم - شاعر النيل - وعلي محمود طه، وإبراهيم ناجي، والمازني، ونجيب محفوظ نفسه، ومحمود السعدني، ويوسف إدريس. وكانت هناك مقاهٍ مشهورة في القاهرة بجلسات الأدباء والشعراء، مثل مقهى التوفيقية ومقهى الفيشاوي.

بعد هذه الرحلة القصيرة حول مرتادي المقاهي وتأثيراتها الأدبية والثقافية والاجتماعية، عدت لذات السؤال على الكثيرين، لتكون إجاباتهم مجتمعة في أنها:

- متعة.

- ترفيه.

- تغيير جو.

- خلوة مع النفس.

- مكان للقاء الأصحاب.

- قضاء على الوقت.

- متعة شرب القهوة في مكان خارج المنزل.

- مكان جميل وشراب لذيذ.

- خيارات واسعة من الهدوء واللذة.

- أكثر الأماكن التي يمكن التركيز فيها على أمر ما.

- فيها أجواء لا توجد في مكان آخر.

- أماكن تشعرك بالاسترخاء.

- تأخذك إلى عالم الأحلام.

- أفضل مكان أذاكر فيه.

- مكان يجعلني أتفاءل حين أذاكر لجامعتي.

- مكان ألتقي فيه مع أمنياتي.

- وأغرب تعليق وصلني هو: ”مكان تجتمع فيه أفكاري المحشورة في العقل الواعي واللاواعي!“

كل هذه التعليقات جعلتني أتأملها وأُنسبها إلى نفسي، فوجدت أن الكثير منها أشعر به أحياناً وألتمسه واقعاً في أحيان أخرى. وهذا ما دفعني إلى أن أطلب من صديقتي أن نذهب إلى المقهى كي نقلد بعض هؤلاء ونذاكر استعداداً لاختبار العمل، لعلنا ننجح، ويكون نجاحنا ممزوجاً بطعم ورائحة القهوة وذكريات المكان.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز