العودة للحياة
وتضيقُ دُنيانا فنحسَبُ أننا سنموت يأساً أو نَموت نَحيبا.
لم تكن تجربتي مع المرض سهلة. مررت بعدة منعطفات، ولولا دعم عائلتي وأحبابي وصديقاتي لكانت النتائج غير مرضية. كانت فترة العزل التي استمرت لمدة ستة أشهر للعلاج بداية صعبة عليّ، خاصةً أنني ناشطة اجتماعية، ولديّ وجود وكيان مجتمعي، بالإضافة إلى وظيفتي كوكيلة مدرسة ومتطوعة للإرشاد الأسري ومحاضرة توعوية، كان اختفائي عن الساحة مؤثراً جداً.
سبب استمراري في الكتابة كان إلحاح ابن عمي، ”أطال الله في عمره“ حيث كل صباح يرسل صباحية مصحوبة بجملة «كوني كما أنتِ قوية واكسري قيد الألم، وواجهي المرض وسطريه بالقلم» وأخواتي وبعض الصديقات على ضرورة استمراري في الكتابة مهما كانت الظروف. الكتابة بالنسبة لي كانت خلاصاً ومتعةً وتنفيساً.
اكتشفت خلال هذه التجربة من بين صديقاتي ومعارفي من هو المخلص ومن هو غير ذلك، لأن الأوقات العصيبة تكشف المعادن الحقيقية. ولله الحمد، أدين لهم بالفضل في الدعم المستمر والاهتمام الذي لم ينقطع.
وكان سبب صمودي عائلتي وأصدقائي.
- ثمرة هذه التجربة الهامة: التوجه الروحي لله، والعيش في كنف الدوحة الربانية وأهل البيت .
- أصبحت أكثر تقبلاً لنفسي، بما في ذلك نقاط ضعفي وأخطائي. أدركت أن التحديات جزء من الرحلة، وأنني أنمو من خلال التجارب الصعبة.
- تقديري للحياة أصبح أعمق. تعلمت ألا أعتبر الأمور المسلّم بها، بل أحتفي بكل لحظة وأدرك قيمتها.
- اكتسبت مرونة نفسية أكبر. تعلمت كيف أتعامل مع الضغوط والخوف، وأصبح لدي قدرة أكبر على مواجهة التحديات بثقة.
- تعمقت في الجانب الروحي، مما منحني شعوراً بالسلام الداخلي. الإيمان كان دعماً كبيراً لي في الأوقات الصعبة.
بعد انتهاء المرحلة الأولى من العلاج، انتقلت إلى المرحلة الثانية وهي الجراحة. كانت هذه الفترة متعبة نفسياً، فقد استنزفت المرحلة الأولى طاقتي وأرهقت جسدي. كان خبر موعد الجراحة كالصاعقة؛ كنت بين الرغبة في الجراحة والخوف منها.
مع ذلك، كنت متوكلة على الله، وأعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا. كانت هذه مرحلة اختبار من الله ومنحة إلهية، ولها فضائل لا تُعد.
أحاطني المحبون من عائلتي وأصدقائي والأحباب بالدعاء والتوسل لله سبحانه قبل دخولي إلى العمليات وبعدها. كان هذا الدعم مطمئناً لي.
”أشكُو إليكَ أمُورًا أنتَ تعلمُها مَا لي على حَملِها صبرٌ ولَا جَلَدُ وقد مَددتُّ يَدِي بالذلِّ مبتهِلًة إليكَ يَا خيرَ مَنْ مُدّتْ إليهِ يَدُ“.
عندما دخلت غرفة العمليات، انتابني شعور بعدم الرجوع مرة أخرى «وَأِخْشَى أنْ يَنْقَضِيَ عُمْرِي وَمَا أَعْدَدْتُ شَيْئًا لِلِقَائِكَ يا الله.. اَللَّهُمَّ اجْعَلْ مُرادنَا يُرْضِيك َوَاصْرَفَ عَنْ قُلُوبِنا مَا لَا يُرْضِيك» ولا أعلم كيف جاء هذا الشعور. لكن بعد أن أفقت من الجراحة، لم أصدق أنني لا زلت على قيد الحياة.
اللهم لا تبتلينا في من نحب بُعداً
ولا فقداً ولا حزناً ولا مرضاً.
أشكر وأحمد الله الذي وهبني حياة جديدة لأكمل رسالتي في عمل الخير ونشر السلام والإيجابية، ﴿إنّما يُوَفّى الصَابِرونَ أجْرَهُم بِغيْرِ حِسَاب﴾ سورة الزمر آيه 10
لا أخفيكم أمراً، نظرتي للحياة تغيرت؛ فأنا اليوم غير الأمس. قناعاتي وأهدافي اختلفت. سبحان الله الذي يغير ولا يتغير.
بعد الانتهاء من المرحلة الثانية للعلاج، بداية ستشعر بعدم الرغبة في مواصلة العلاج لكثرة مراحله ولأن طاقتك استنزفت «وهذا أمر طبيعي فلا تقلق»، لكن ما أن تدخل مرحلة القبول والتسليم ستشعر بالحماس والرغبة في أن تكون بصحة جيدة مجددًا لاستقبال المرحلة الثالثة للعلاج بصفتك أحد العائدين للحياة التي تحمل في طياتها الكثير من التحديات. «أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا».
بعد هذه التجربة، تغيرت علاقتي مع نفسي بشكل جذري. كانت هذه التجربة نقطة تحول في حياتي، حيث غيرت فهمي لذاتي وجعلتني أعيش بطريقة أكثر وعياً وإيجابية. ”اللهم اشفي أجساداً عجزت عن النوم من أوجاعها واشرح صدورا لم تنم من ضيقها.“