أنت مثلي مقصر معهم؟
عُرف هاشم جد المصطفى وكذلك الصفوة من بنيه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بالسخاء ”ابتداءً“ وبالكرم ”عطاءً“ وأبرزهم بلا شك ولا ريب هم محمد وأهل بيت العصمة إلى المهدي المنتظر عجل الله فرجه وصدق الفرزدق في ميميته الشهيرة حين قال في مدح الإمام زين العابدين - وهو وصف ينطبق عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -:
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم
نعم، عطاؤهم تميز لأنه لا يدرك أمده، ولا يقدر قدره فمن يقدر على نسمة نفس من نسمات رسول الله ﷺ ومن يقدر على ضربة علي يوم الخندق، ومن يقدر على امتحان الزمن كالزهراء ومن يقدر على تضحية الحسن بكرامته، حين عقد الهدنة ومن يقدر على الوفاء بلمحة من الحسين في أرض الطفوف، وهذا كله عطاء لهدايتنا وهداية الأمم فضلاً عن أن الله تبارك وتعالى عزى كل ما خلق لأجلهم ”إني ما خلقت....“. هب أننا لا نقدر على رد جميلهم كما يستحقونه ولكن هذا لا يعني أن يؤدي ذلك إلى إفراط أو تفريط. ترك العطاء لهم بجميع أوجهه بدعوى لا حاجة لهم لذلك ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: آية 9] وعدم قدرتنا عليه.. تفريط. وتكليف النفس فوق طاقتها بما يضر المُعطي أو المُعالين للباذل.. إفراط قد لا يكون مفروضاً شرعاً بمفاد الرواية عن النبي ﷺ حيث رفض أن يتصدق أحد أصحابه بجميع ماله لكيلا يبقى عالة على الآخرين هذا مع المُسِر فما بالك بالمعسر. ”استطراداً أقول بلسان موسوعة غينيس“ على الرغم من أن المعسر لا عتب عليه إلا أن هناك صوراً من العطاء تذهل العقول تحفر الصخر من أبرزها العباس الذي بذل حشاشته الظامئة مواساة لأخيه وإمامه الحسين وكذا أنصار الحسين وأمهات أبطال الطفوف خصوصاً أم البنين .. إلى الحالات الحاضرة التي شهدها العالم مما يقدمه عشاق الحسين في طريق العروج الأسمى ”أربعين الحسين “ خصوصاً أولئك الفقراء المدقعين الذين لا يجدون قوت يومهم إلا أنهم يجمعون ديناراً على دينار ليتجملوا أيام الأربعين مع الحسين وفاء لعطائه الإعجازي على مر هذه السنين.
على كل حال، النبي وآله الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم هم أبواب الله تبارك وتعالى الذين جعلهم خلفاء ليهدوا الكون كل الكون بكل السبل من الذرة إلى المجرة، ولكن لو قمنا بحالة مقارنة بين ما يقدموه لنا وما نقدمه لهم لوجدنا بعضنا بخلاء أشد البخل ومقصرين في رد الجميل بأشد ما يكون التقصير. وأبرز ما يتجلى به ذلك هو الخمس الذي أصبح نقطة ذم على أتباع أهل البيت والحال أن نسبة ضئيلة منهم يلتزمون بهذا ”الواجب الشرعي“ فما بالك بغيره. حالي عند وجود ضرر أو حالة ملحة وطرقي بابهم وقتها وحالي بعد قضاء الحاجة يصح انطباق الآية الكريمة عليه ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: آية 65] ولعل من صور الشرك هو الشرك ”الخفي“ وقد نستطيع أن نضيف إليه عدم دوام الحمد والشكر أي النسيان ولعله الجحود بصورة أو أخرى. الوضع خطير لأن الآية تقول بعد ذلك ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: آية 66] لست أدري لعل هذه الحالة على شفا حفرة من ذلك الوعيد إن كانت عن تعمد وما إلى ذلك أجارنا المولى وإياكم وجعلنا في درعه الحصينة.
البعض حتى على أولاده يبخل أن يصرف عليهم لكي يصبحوا مرضاة لآل محمد من خلال تسجيلهم في الدروس الدينية أو الدورات وما إلى ذلك في مقابل ما يغدقه لاكتسابهم العلم والمهارة في العلوم الدنيوية لضمان مستقبلهم الدنيوي ناسياً مستقبلهم الأخروي الذي هو الأهم فالعلم يحتاج للخلق الكريم الذي نعته به محمد ﷺ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: آية 4] وإلا كان دماراً ووبالاً وأداة للمكر والخديعة والابتزاز وما إلى ذلك.
في الواقع ما يريدونه من عطاء منَّا هو يعود علينا ”أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرَجَكم“ [1] .. ما يريدونه هو حركة على طريق الوصول إلى الله ولا يكون ذلك إلا من خلال بذلنا وعطائنا بكل الصور والصبر على ذلك ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: آية 45]. الصبر على بذل المال والجهد في خدمتهم وبحمد الله الجهود مبذولة ولكن العطاء المالي ضعيف. والعلاج هو كما فعل ذلك التاجر الذي كان يوقع على ”الشيك“ وهو واضعٌ يده على المبلغ الذي كتبه/طلبه أحد خدمة الحسين لخدمة أحد المواكب أو المجالس الحسينية. يضع يده لكي لا يوسوس له الشيطان ولا تأمره النفس الأمارة بالسوء بأن لا يتصدق بذلك المبلغ. وما النتيجة؟؟ وقع الحسين على صحيفة أعماله بالقبول وهو واضعٌ يده الشريفة على تفاصيلها تكريماً - على ما نقل عمن رآه في رؤية صادق -.. وهذه والله التجارة التي لن تبور ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: آية 29,30].
العمل الخيري لا بد له من مال يدعمه ويدعم كوادره فالهدية وقعها جميل وإن كانت بسيطة ف ”من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل“ عن الرضا [3] .
روي عن أمير المؤمنين : ”إذا أملقتم، فتاجروا الله بالصدقة“ [4] ... فكيف بمن يوجد لديه خير ويحب أن يزيده.