آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:02 ص

التحول الرقمي في الإدارة

لا أحد يتخيل أن رحلة التحول الرقمي التي يعيشها العالم على مستوى الشركات أو المؤسسات أو الأفراد ستتوقف في يومٍ من الأيام بعد هذا الانتشار والتطور الواسع، ولكن ماذا لو حدث ذلك بالفعل فجأة، وتوقفت الحياة الإلكترونية بدءًا من تدهور الاقتصاد وتعطيل الخدمات الأساسية والضرورية مثل التجارة الإلكترونية، والبنوك الرقمية، وصولًا إلى تراجع التعليم، والبحث العلمي، والخدمات الصحية، الاجتماعية والترفيهية الضرورية مثل البريد الإلكتروني، والواتس، والفيس، واليوتيوب، وما هنالك من التقنيات، والمساعدات الذكية في الحياة وكيف سيواجه العالم هذه الصدمة؟ وهل نحن مستعدون لصدمة العودة إلى الماضي؟! هذا ما سنعرفه في هذا المقال بإذن الله تعالى.

ما هو التحول الرقمي؟

إننا نعيش في عصرٍ يُعرف بأنه الأكثر اتصالًا وذكاءً، فقد أصبح الإنترنت والذكاء الاصطناعي قلب الحياة النابض الذي يُمكن المجتمعات من التطور، والتواصل، والإبداع بسرعة لم يسبق لها مثيل، فمن التسوق الإلكتروني، والتواصل الاجتماعي إلى إدارة الأعمال، والتعليم، والرعاية الصحية، والترفيه وما إلى هنالك… لكن ماذا لو في لحظة غير متوقعة اختفت كل هذه الأدوات التي نعتبرها بديهية في عصرنا الحديث؟ وكيف سيواجه العالم هذه الصدمة المفاجئة؟ وقبل ذلك تدعونا نعرف ما هو التحول الرقمي وما هي علاقته بالإدارة؟

التحول الرقمي ببساطة شديدة هو استخدام التكنولوجيا لتحسين العمل وتبسيط الحياة، أي تحويل الأنشطة اليدوية أو الورقية إلى أنشطة رقمية باستخدام أجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية، والتطبيقات الحديثة مثلًا: بدلًا من تسجيل أرقام المبيعات على الورق يمكن استخدام برامج على الكمبيوتر لحفظ المعلومات بسهولة ويسر مما يجعل العمل أسرع وأدق. أو بدلًا من حضور الطلاب للصفوف الدراسية بشكل تقليدي، يمكنهم الآن الحضور عبر الإنترنت من خلال المنصات التعليمية الرقمية مثل زووم أو مايكروسوفت تيمز، حيث يمكنهم الوصول إلى المواد التعليمية والمشاركة والتفاعل مع المدرس بسهولة من أي مكان.

إنني أعتقد بأن هذا السيناريو ليس مجرد خيال، أو أحلام.. أو طيف ما، وصحيح قد يبدو صعبًا بسبب البنية التحتية التكنولوجية التي صُممت لتكون مرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات، علاوة على الجهود الدولية والوطنية المتواصلة للحفاظ على استمرارية هذه الخدمات الحيوية حتى في حالات الطوارئ، وصحيح أيضا أن هناك تحول ضخم على مستوى الأفراد، والشركات، والحكومات سيحدث جراء هذا الحدث لأن الكثير من جوانب الحياة تعتمد على الإنترنت ولكنه في النهاية ليس مستحيلًا، ومن هنا يمكن القول بضرورة توقع هذا الحدث رغم صعوبته ومرارته، وإن كان سيحتاج إلى جهود كبيرة لإعادة هيكلة المجتمع والاقتصاد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو:

كيف سنتكيف مع هذا الحدث الصعب في الحياة اليومية لو وقع بالفعل؟

مما لا شك فيه أن التواصل سيصبح أكثر صعوبة خاصة بين الدول والمناطق البعيدة، وسيكون علينا الاعتماد على وسائل التواصل التقليدية مثل البريد العادي، والهواتف الأرضية، وسنرجع إلى استخدام الراديو والتلفاز، وعودة المجتمعات إلى الأنماط القديمة في التواصل بما في ذلك الاجتماعات الشخصية، والبريد الورقي.

وإن التجارة الإلكترونية والعمل والتعليم عن بُعد سيختفي وستكون معظم الشركات بحاجة إلى العودة إلى النظم الورقية، وسيصبح السفر لغرض الترفيه أو الأعمال شاقًا، بل وصعبًا للغاية، وسيعود التعليم إلى الأساليب التقليدية التي تعتمد على الكتب والتواصل الشخصي المباشر في الفصول الدراسية، وسيعود الأطباء والممرضون إلى السجلات الورقية … وما إلى هنالك من التأثيرات السلبية والصعبة ولكن لن ولم ستتوقف الحياة وستعود، البشرية مرة أخرى لإعادة اكتشاف طرق بديلة في العمل والتواصل.

ما هو المنهج الذي يربط بين التحول الرقمي في الإدارة وصدمة انقطاع الإنترنت؟

إن النهج الذي يربطنا بالتحول الرقمي في الإدارة وفكرة انقطاع الإنترنت سيعتمد على التطور الاستراتيجي المتكامل الذي يعزز مرونة وكفاءة المؤسسات أو الشركات، ويتضمن هذا النهج مجموعة من العناصر الأساسية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والقدرة على الاستجابة للتحديات غير المتوقعة، ومن أبرز هذه العناصر هي:

- التخطيط للطوارئ: وهو عنصر أساسي للحفاظ على استمرارية العمل وضمان القدرة على مواجهة الظروف غير المتوقعة بأقل قدر من التأثير السلبي كتجربة اليابان مع الزلازل نظرًا لأنها تقع في منطقة نشطة زلزاليًا، ومن أهم ملامح خطة الطوارئ اليابانية «تثقيف المجتمع وتدريب الأفراد».

- تنويع الأنظمة، ويعني توزيع الاعتماد على مجموعة متنوعة من الأنظمة والآليات لتحقيق الاستقرار والتقليل من المخاطر في حالة حدوث خلل في أحدها بغرض تعزيز المرونة والاستمرارية بحيث لا يكون هناك اعتماد كامل على نظام واحد دون غيره، كخيار تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية في حالة انقطاع الكهرباء عن الأجهزة الأساسية.

- تعزيز الثقافة المؤسسية لتقوية وتطوير القيم والمبادئ والأهداف التي تتبناها المؤسسة، وتعمل على ترسيخها، وهذه الثقافة تشكل سلوك الموظفين وتوجهاتهم في العمل، وتساهم في بناء هوية المؤسسة وتماسك فريق العمل، ومن الأمثلة البارزة على ذلك شركة قوقل، فقد قامت بتصميم مكاتبها بطريقة تسمح للموظفين بالعمل في بيئة مريحة، وتحفز على الإبداع، ودعم التنوع، وتوفير فرص للتعلم مما خلق ثقافة متينة تدعم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة.

أما عن ما يتعلق بالأفراد لمواجهة تحديات انقطاع الإنترنت فإنه يتطلب الاستمرار في تطوير المهارات اليدوية والتقنية الأساسية، والتواصل الفعال مع الآخرين، وإعداد الخطط الشخصية وما إلى هنالك، والاستعداد للتكيف مع أي تغييرات قد تحدث في البيئة الرقمية.

وأخيراً: ما يمكن استنتاجه من فكرة احتمالية انقطاع الإنترنت؟

إن فكرة احتمالية انقطاع الإنترنت ينبغي أن تفتح أفقا جديدًا للتفكير حول كيفية إدارة حياتنا وعملنا في عالم يتسم بالتغير غير المسبوق، لتعزيز أهمية الاستعداد، والمرونة، والاعتماد على المهارات التقليدية؛ مما يعكس الحاجة إلى التوازن بين التكنولوجيا والقدرات الإنسانية الأساسية، وأن نكون مهيئين وجاهزين ومستعدين لأي فرضيات وسيناريوهات في المستقبل.

وأن آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.