آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:52 ص

الإيجاز.. فضيلة أم قصور؟

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

يتفاوت الكُتَّاب في مصنفاتهم بين من يفضل الكتابة المطولة، إما عبر الأبحاث الطويلة أو الدراسات أو حتى المقالات المسهبة، ومن يميل إلى الاختصار والوصول إلى المعنى المطلوب بأقل عدد ممكن من الكلمات والسطور بعيدًا عن التكرار أو الجمل الطويلة. وما بين الصنفين هناك من يحاول الموازنة بينهما ربما في محاولة لإرضاء أصحاب الذوقين أو في تذبذب بينهما. فأي الصنفين أقرب لقلوب القراء؟

الحقيقة أننا بحاجة إلى الصنفين معًا، كلًّا في اتجاه؛ فالمؤلفات الطويلة والدراسات المسهبة ضرورية للغاية حين يكون المطلوب تأصيل علم من العلوم، والكتابة الموسوعية والمطولة والشاملة حوله، أما الكتابات المختصرة فمطلوبة لشريحة من الناس تحبها ولا تميل إلى المطولات من الكتابات، وتضم هذه الشريحة الجيل الجديد من الشباب وصغار السن، الذين تربَّوا على الأجهزة الرقمية أو على ثقافة الصورة والفيديو، ولم يعتادوا إلا على قراءة النصوص الموجزة والمختصرة. لذلك فإن الناس في هذا العصر الذي اعتادوا فيه على الحصول على المعلومة بأسرع وقت لا يميلون إلى الكتب ذات الصفحات الكثيرة.

ومن أسباب هذا التوجه أيضًا تغير المزاج العام لدى شريحة الشباب أو صغار السن نحو المواد والكتابات المختصرة، وهو ما نلاحظه حين يتراسلون مثلًا على وسائل التواصل؛ فنراهم يكتبون «BRB» بدلًا من «سوف أعود في الحال»، و«BTW» بدلًا من «على فكرة»، و«TYT» بدلًا من «خذ وقتك»، أو استخدام الأشكال التعبيرية أو ما يسمى الإيموجي.

لكن هناك مشكلة تتعلق ببعض الكتّاب الذين يعتقدون بأن الكتابات المختصرة التي تستهدف الجيل الجديد المتعوّد على الاختصار سطحية وغير ذات قيمة، ولذلك فهم يبتعدون عنها وينحون باتجاه الكتابات المطولة والكلمات الفخمة التي لا تفهم إلا بالاستعانة بقاموس لغوي؛ مما قد يؤدي إلى الوقوع في المحذور ونفور بعض أبناء الجيل الجديد من كتاباتهم.

ليست بتاتًا دعوة لتسطيح العلوم أو النزول بمستوى الكتابة، لكنها دعوة لوضع هذا الجيل ومزاجه الجديد، بل المتجدد باستمرار، في الحسبان لدى الكتاب والمؤلفين؛ حتى نضمن إقبالهم على القراءة بدل أن يتوجهوا إلى الخيارات الأخرى المتوفرة والمتجددة كوسائل التواصل المتكاثرة والمواكبة للعصر. الدعوة هي أن يكون العمل متوازيًا بين الكتابات العميقة والمطولة من جهة، والكتابات الموجزة من جهة أخرى، لعلنا نضمن أن يقوم، ولو قسم من أبناء هذا الجيل، بقراءة ما نكتب. وهذه الملاحظة جديرة بأن تؤخذ في الحسبان، لكننا هنا قد لا نكون في صدد تخيير الجيل الجديد بين القراءات العميقة والموجزة بل بين القراءة وعدم القراءة.

ختامًا، وحتى لا نقع في فخ التعميم، هناك من أبناء الجيل الجديد من يقرأ الكتابات المعمقة والمطولة، كما أن هناك من كبار السن ممن اعتاد على هذه الكتابات من بدأ يميل نحو الكتابات الموجزة.