ماذا نعني؟
عندما يكتب مبدع ما عن الشعرية، فهو غالبا لا يقصد شاعرا بعينه، بل يعني مفهوم الشعرية. «والمفهوم» حسب المنطق الصوري يعبر عن معنى تسرح فيه المخيلة كيف تشاء، أي أنها تتجاوز الواقع الذي يسمى «المصداق» حسب المنطق نفسه، وكذلك عندما تتكلم عن الحرية، فأنت لا تقصد شخصا حرا بعينه، وإذا تكلم شاعر ما عن الطفولة، فهنا يقول لك شعره نفسه ما هو المقصود. إن الشاعر السوري لا أتذكر اسمه الآن الذي قال:
«ما زلت طفلة / يا فتنتي ما زلت طفلة / تجرين خلف فراشة / وتحاولين صعود نخلة / وتثرثرين مع الغدير الطفل وادعة مدلة / ورسمت قصرا شاهقا / وتركت فوق الأرض ظله / وزعمت أنك من نوافذه مطلة / ما زلت طفلة» حين نقرأ هذا، لا نتردد في اليقين من أنه يقصد طفلة بعينها، وهي تملأ شاعريته بلعبها الطفولي أمام عينيه، ولكن حين نقرأ الشاعر ناجي حرابة، وهو يقول:
«أريد أن أكون / مفردة غامضة الغضون / يحار في تأويلها اليقين والظنون / أو لثغة الطفل الذي يصيح باسم أخته شجون / ثذون يا ثذون»
هنا لا نتردد في أنه يقصد مفهوم اللثغة الطفولية؟
بقي السؤال الأهم وهو: بأي ميزان أزن كلامي، أو كلام الآخرين، هل أزنه بميزان الواقع وهو لم يعبَّر عنه،، أم بميزان المخيلة؟ الأكيد أنه بميزان المخيلة؛ لأني تكلمت أو قرأت عن المفهوم الذهني لا عن الواقع. وهنا يختلط الظلام بالضياء، أو كما يقول القدماء: «يختلط الحابل بالنابل» فالمخيلة تكون معطلة عند بعض الناس، ولكنها تكون جامحة عند الفنانين؛ لذا يقول سارتر: «إذا أراد الفنان أن يكون صادقا فلابد أن يكذب» والكذب هنا معناه ترك المخيلة بلا عنان.
وقف المفكر الفلسفي فؤاد زكريا عند «مُثُل» أفلاطون، معرضا عن تلك الآراء التي تفسر تلك المثل تفسيرا غيبيا، أما زكريا فيعتبر أنها تعني «المفاهيم» فالجمال حسب هذه المثل، ليس موجودا في عالم ما وراء الحس، بل هو مفهوم الجمال، الذي كلما اتسعت المخيلة اتسع هو بلا نهاية.
أنت من أي الفريقين، هل مخيلتك في غرفة بملايين الجدران، مثل محمد الماغوط، أم أنها خارج الأسوار؟