آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:52 ص

ظاهرة رشْق البيض العمى الروحيّ

ليلى الزاهر *

منذ عهد الإنسان السرمديّ والحسد يذرّ غباره الأسود في عيون النّاس وإذا بها تُصاب بالعمى الروحيّ فلا تميز بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقد تتشابك الخيوط وتُخلق عقدة سوداء في نفس صاحبها مثل سواد الليل فيتمنّى الإنسان زوال نعمة أخيه وقد آمن أن زوال هذه النّعمة لا يعني انتقالها له ولا لمنزله.

ومن العادات السيئة المنتشرة في مجتمعنا الإسلامي وللأسف الشديد عادة رَشْق البيض أو تكسيره أمام المنازل أو فوق السيارات، حيث يُقذف البيض عند أعتاب المنازل وقد لايعرف القاذف أن كاميرات السماء ترصده قبل كاميرات الأرض.

وهو سلوك عدائيّ، وجريمة جنائية يعاقب عليها القانون والجدير بالذكر أنّه منتشر على مستوى العالم.

ومثلما يتفاوت النّاس في الرؤية البصريّة فهم يتفاوتون في صفاء البصيرة إما بسبب الحقد أو الجهل وربّما قلّة الإيمان بوجود الله الذي يرقب خطواتهم لذلك حملوا شعار «أنا ومن بعدي الطوفان».

إنه الحسد يعبث بعقل صاحبه ويطمس بصيرته ويُسانده الشيطان ويشدّ أزره فهو صاحب القول:

أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ

‏ورثه البعض وأخذ يردده الآخر!

‏فبئس الوارث!

‏وبئس الموروث!

ومتى ذُكر الحسد فسوف يظهر بجانبه الجشع والحقد وحبّ الذات وسوف تظْهر إضافة لذلك ملامح وجه الحاسد وقد امتلأتْ بالشرّ، وكلماته التي فاح منها رائحة الحزن على نعم الله التي أغدقها على غيره من الناس

أما ذلك الإنسان فقد ثار غضبه وتحوّل إلى إنسان شرس مثله مثل الحيوان الغضبان لمجرد أن هبّت رياح النّعمة والخير على صاحبه أو قريبه.

يجب على صاحب هذا السلوك الشيطانيّ أن يضع في حسبانه أمور مُتعددة منها:

الأمر الأول:

إذا كان أصحاب هذا المنزل من أهل التّقوى والصّلاح، فلن يستطيع أي كائن شيطانيّ من الاقتراب من هالتهم فلن يمسّهم سوءا لأن علاقتهم بالله تعالى كفيلة بحمايتهم من أي مسّ شيطانيّ، ويكفي حبل الله العظيم الذي يتمسّك به أهل هذا المنزل عاصمًا يمنع وصول هذا الأذى لهم.

الأمر الثاني:

قد يُقدّر الله تعالى أمرًا مكروها على أصحاب هذا المنزل فيكون فيه صلاحهم بتكفير ذنوبٍ، أو تبديل حال إلى حالٍ أفضل

أو ربما أراد لهم الله تعالى أن يقتربوا منه وأحبّ سماع أصواتهم المرتفعة نحو السماء الذي فيها هلاك أعدائهم.

الأمر الثالث:

إنّ بياض الحقّ وسواد الباطل في نِزاع مستمر منذ بدء الخليقة وقد عاهد الله تعالى النّاس أن ينتصر المظلوم ولو بعد حين، ويكفي صاحب هذه البصيرة السوداء خروجه من رحمة اللهِ فضلًا على ضياع أعماله إن كانت لديه أعمال صالحة يقابل به وجه ربه تعالى.

الأمر الرابع:

مما لاشك فيه أنّ وجود البيض مكسور أمام عتبة البيت أو على السيارة هو أحد أنواع السحر الذي يفعله السحرة والمشعوذون ولايفلح السّاحر حيثُ أتى، فله فرح مؤقت، وانتصار ضعيف لا يكاد يُذكر أمام جبروت الله تعالى، وكلّما أوقد الأشرار نارا للحرب أطفأها الله تعالى برحمته التي ينشرها على عباده الأخيار.

يقول ميخائيل نعيمة:

إنْ تكن العين سراج الجسد فسراج النّفس الضمير اليقظ.

ولا يُطفئ جذوة الحقد المستعرة في الضمائر الخبيثة سوى الشّكوى لله تعالى

والعمل على محو آثار هذه الفتن وتلك الجرائم الآثمة. فعلى كل من يجد هذه الجرائم ماثلة أمام منزله عليه المُسارعة في وضع خطّة علاجيّة سريعة تمنع التأثير العكسي لها أول تلك العلاجات:

الماء، إنّه سرّ شفاء القلوب وبهجتها، كم هو باهظ الثمن هذا الماء! وصدق الله تعالى حيث قال: وَ﴿جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30]

هو مادة الحياة وإنبات الزّرع، ونظافة الأبدان فلابد أن يكون له القدرة على إزالة كلّ خبيث خاصة عندما يقترن بطاقة ربّانيّة هائلة مثل طاقة القرآن الكريم.

إنّ امتزاج الماء بالقرآن بسور مخصوصة مثل سورة الفاتحة وآية الكرسي وسورة الكافرون والإخلاص والمعوذتين بتكرارات معينة سبيلٌ للخلاص من نفث بعض البشر وحقده، ومن بعد ذلك يسكب هذا الماء على نفس المواضع الذي وُجد فيه البيض المكسور ولن يضرك ذلك بإذن الله.

وبالتّأمل لحياتنا نرى أنّها رحلة اختبارات وخيارات ننتقل من خلالها من مقام إلى مقامٍ آخر وحتى ننجح في الاختيار الصائب علينا الاهتمام بمنطقة الروح لتكتمل جوانب الحكمة بالدين والمعرفة مما يُعزز قوة السلام الداخلي لدينا ويصبح لنا القدرة على تخطّي الوساوس النفسيّة التي تمخضت من هذه المواقف المزعجة وبالتالي تنعكس سلبا على حياتنا.

كما يجب أن نضع في الحسبان كلّ عارض قد يُخفّض من قدرتنا على الاستمتاع بالحياة، فنسارع بمحو آثاره السيئة.

وعلينا أن نؤمن بأنّ هناك من الأمور الغيبية ما لانستطيع إدراكه لأن الله تعالى قد حجب عنّا مالا طاقة لنا بتحمّله.

أضف إلى ذلك أنّ مثل هذه المواقف لاتحتاج منّا لصرف أكثر من بضع دقائق ثمّ إسقاطها من حساباتنا نهائيّا.

أخيرًا:

من أراد أن يتذوق طعم نِعم الله عليه أن يُعبّد جميع طرق العمل والاجتهاد والدّعاء حتّى تصله النعم من خزائن الله إلى مهده مباشرة وتثمر فتطرح أينع الثّمار.