آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

مجرّد كلمة

نجفيه حماده *

ندير نواظرنا للأفق كثيرًا فالبعض يستجدي القوة والآخر يستجدي الاهتمام والعطف والبعض يتسلّق سلّم الأمان بابتسامة، حقًا عجبًا على تركيبة الإنسان وعقله، تقتله كلمة وتحييه أخرى، هنا أستنير بوصف الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الشعرية التي تعود لستينات القرن الماضي

ما دين المرء سوى كلمة! ما شرف الرجل سوى كلمة! ما شرف الله سوى كلمة! أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة لو تعرف حرمة، زاد مذخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة، أَضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين، فساروا يهدون العالم، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة.

إذًا هي ليست مجرد كلمة فانتبه من كل كلمة، فالخواطر تدار بالكلمة فهي التي تصنع يوم كل شخص فينا، فاحرص على أن تجعله سعيدًا ولا بأس أن تجعل من نفسك رسول الكلمة الطيبة، الحياة بسيطة جدًا وإن حاول البعض تعقيدها. ابنِ قلاع الأمل في نفوس الآخرين واجعل كل من حولك يتسلّق تلك الحبال الممتدة للسماء بدعوة وكلمة تلحفه بالأمل والثقة بالله، ودع عنك أمراض الكينونة التي تتربص بك واهزم كبرياءك العالي ببساطة كلمة، دع عنك الخوف والانكسار والغلظة وبادر بها لعلّك تنقذ شخصًا من غرق الهموم، إن كانت الحرب خاسرة فاحفر خندقك بكلمة وعند الخروج لا تنس نثر الزهور على كل من تقابله فتربح وتقود المحاربين للربح أيضًا، فأنا وأنت خلقنا الله وسيلة وسبلًا فلماذا لا نكون عونًا لبعض؟!

لا تقلق من مكانتك فالمكانة العليا للخالق هو صانعها لا البشر، فإن كنت مديرًا أو مالك شركة اجعل يومًا من كل شهر مخصصًا لكلمة ترفع بها همة فريقك وسترى ثمارها، أنا متأكدة من ذلك، وإن كنت رب أسرة أو كنتِ أمًا أو أختًا اجعلوا الكلمة عادة يومية فنحن بأمسّ الحاجة لجرعات نشاط ترفعنا، فقد قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم: آية 24] وقال أيضًا ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم: آية 26].

كم من كلمة هدمت بيوتًا كانت بالأفراح مزدانة! وكم من كلمة قتلت نفوسًا بشرية وأخرى أوصلت الأبناء للعقوق! وكم من كلمة ربطت قلوب البشر بالمحبة وأخرى رفعت همّة شخص بعد انكساره، فرفقًا ببعضكم وكفانا بغضًا فما الحب إلا سلام. كان الله في عونكم فخلف كل باب ابتلاء وضعه الخالق رحمةً وتقرّبًا وتحننًا لنا، اجعل من نفسك غيمةً تمُر ولا تضُر بل إن مرّت أزهرت الأرض الخاوية. إن كان الموقف مشتعلًا أخمده بكلمة، لا ترفع عضلاتك وترهق نفسك فيبدو لي أن المشتعل يخوض حربه الخاسرة ويصرخ يريد أن يغيثه أحد فكنت في طريقه. ازرع ثمار الحب والسلام لتثمر روحك وحياتك، إن سبيل الخروج لجنتك بكلمة فما بالك إن كانت كلمتك مثمرة في قلوب كل من صادفته؟!

هي ليست مجرد كلمة فالكلمات بحرٌ واسع إما أن تغرقك أو ترسو بك لتوصلك لبر الأمان، هل من الصعب أن تبتسم وتقول لشخصٍ ما ”ما أجمل إنجازاتك فأنت رائع وجميل“؟!

قارئ كلماتي أنت شخص رائع وعظيم، لم تصل إلى هذا المستوى الذي أنت فيه إلا بعد أن اجتهدت وحاربت، فأنت في عيني ناجح وتستحق الخير، حفّتك الخيرات والبركات وعمّتك السعادة في دارك وقلبك. كُن بخير لأجلك ولأجل كل من يحبك!