مبادرة مستقبل الاستثمار والاجابة على السؤال
أعطت وكالة“رويترز“مقالةً تحريرية لها عنواناً يحمل دلالة:”لم يعَدّ دافوس السعودية صحراءً“، وبالفعل مع كل نسخة تترسخ مكانة مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار كمنصة عالمية منطلقها الرياض تُعنى بالاستثمار الطموح والملتزم بخير الإنسانية، قولاً وفعلاً مستنداً إلى مبادرات تسعى لفائدة البشرية عبر ردم الفجوة الاستثمارية، ودلالة على ذلك فمن مبادرات النسخة الثامنة مبادرة ”شمول الذكاء الاصطناعي“ لدعم الرياديين في الدول النامية تطوير شركات تقنية تقوم على الذكاء الاصطناعي، ومبادرة ”مركزية المحيط“ والتي تعنى بجمع البيانات عن المحيطات وتحليلها للتعرف على”صحة المحيطات“ تمهيداً لاستجلاب الموارد لمعالجة تردي أوضاع المحيطات، ما يبرر القول أن المؤتمر ليس تجمعاً مقتصراً على أرباب رأس المال المنغلقين على مصالحهم، ولا هو”طلقة“ تدوم ثلاثة أيام ثم تنطفيء، بل سلسلة فعاليات تجوب العالم على مدار العام، وتصدر تقارير ودراسات من خلال معهد مبادرة مستقبل الاستثمار، فقد خلصت نسخة هذا العام إلى بحوثٍ وتحاليل معمقة إلى أن أولويات الاستثمار في العالم: ارتفاع تكاليف المعيشة، الاصلاحيات التنظيمية، وتوفر الرعاية الصحية.
وعلى مدار ثلاثة أيام تمت تغطية مواضيع مترابطة متمحورة حول الاستثمار وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعية وتحول الطاقة والتقنيات المالية وموقف البنوك منها، وحوارات حول نقاط جدل عالمية منها مستقبل البتكوين أو من سيفوز في الانتخابات الأمريكية. وهكذا، فالمؤتمر منصة فكرية استثمار، وهذا لا يعيق أن تعلن على هامشه اتفاقات ومذكرات ولقاءات استثمارية، وقد نجحت في استقطاب أرباب الاستثمار والتقنية من أنحاء العالم كافة، بما في ذلك زعماء سياسيين من مصر والباكستان وفيتنام، كما تحدث إلى المؤتمر إلون ماسك مالك توتر وسبيس إكس وتيسلا «عن بعد» ومؤسس تيك توك والرئيسة التنفيذية لجوجل ورؤساء أكبر البنوك الاستثمارية في العالم والقائمة تطول.
ما لفت نظري في هذه النسخة أن الرسالة وصلت بوضوح للوافدين للمؤتمر من الخارج، بأن المؤتمر منصة استثمارية عالمية تسعى للخير العام، وأن توجه السعودية هو استقطاب الاستثمارات لأراضها لتنمية اقتصادها، وأن المؤتمر ليس مدخلاً للتعارف بهدف تصدير الاستثمارات للخارج؛ فرؤية المملكة 2030 وكذلك الاستراتيجية الوطنية للاستثمار تنطوي على مستهدفات لجذب الاستثمارات إلى الاقتصاد السعودي، ولا تنطوي على أي مستهدف للاستثمار خارجياً إلا بالقدر الضروري لتعزيز العائد على الاستثمار أو لاستحواذٍ قد يساهم في تعزيز الوضع التنافسي للاقتصاد ويرتقي بمعدل نموه.
هذه النقطة حرجة الأهمية صيغت بأسلوب عملي؛ بأن عجت ممرات المؤتمر ومنصاته ونقاشاته بما تتيحه السعودية من فرص استثمارية وآفاق جديدة، في مجالات الطاقة والسياحة والصناعة والخدمات اللوجستية والاتصالات وتقنيات المعلومات، من خلال سرد متماسك من الطبقة الأولى من الرسميين، مسنود باستراتيجيات ومبادرات واضحة قيد التنفيذ. وفي هذه النقطة تحديداً، حملت أيام النسخة الثامنة الثلاثة اجاباتٍ على السؤال المطروح: ماذا أنجزتم من تطلعات الرؤية وطموحات؟ حيث شهدت النسخة عروضاً واجابات مفصلة عما انجزته السعودية على الأرض لتحقيق رؤيتها.
من تلك العروض والاجابات - على سبيل المثال لا الحصر - ما استعرضه: *سمو وزير الطاقة عن تحول قطاع الطاقة وبرنامج تحول الطاقة، وما تناوله وزير المالية عن الاستدامة المالية العامة والاستقرار الاقتصادي والمالي، وبينه وزير الاستثمار عن استقطاب الاستثمارات محلياً وعالمياً واشارة إلى ان نجاحات مبادرة RHQ للمقرات الاقليمية في تحقيق مستهدف العام 2030، وما عرضه محافظ صندوق الاستثمارات العامة عن زخم تنويع الاقتصاد من خلال جهد تنموي شامل من شواهده تأسيس 92 شركة، وما أوضحه نائب رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني بشأن منظومة صناديق تتكون من 12 صندوقاً لدعم مساهمة القطاع الخاص في تنويع الاقتصاد، وما حدده نائب الرئيس التنفيذي لشركة نيوم حول بواكير انجاز المشروع الحلم والاقبال على التمويل من المصارف ومن القطاع الخاص. وكان كل طرح مدعماً بسردٍ وبأرقام.
أما أحد الطروحات المُلّفتة الذي كان كاشفاً لبعض النواحي الاقتصادية الجديدة بالكامل التي جلبتها مبادرات الرؤية، فقد تناول نشاط“الرياضات الالكترونية”وطموح السعودية أن تصبح محوراً عالمياً «global hub»، من خلال جهد متسق توجهه استراتيجية مُقرّة تشرف على تنفيذها وتنظيم السوق واستقطاب الاستثمارات وحفز الفعاليات وتوفير الممكنات هيئة تنظيمية «الهيئة السعودية للألعاب والرياضات الإلكترونية.»، واتحاد «الإتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية»، وجملة استحواذات في كامل حلقات سلسلة القيمة بدعم من صندوق الاستثمارات العامة منها على سبيل المثال تأسيس شركة سافي. التي بدأت تمارس نشاطاً ملحوظاً لتحقيق التوجه المرسوم. وهكذا وصلت اجابة السؤال أعلاه، فمنطق الفِعل دائماً مُلّجم.