كبسولة
يقول الروائي الأمريكي ديفيد بالدتشي إنك لا تريد أبدًا أن تكون على سرير العمليات بوجود جراح يستخدم يده اليمنى بمهارة ويقول: «اليوم سأجرب إجراء العملية باليد اليسرى» الكتابة أيضًا تتطلب التجربة، وكل مرة ينبغي علينا أن نفعل الأشياء بطريقة مختلفة.
من المستقبل البعيد تحديدًا من عام عشرين ستة وستون أي بعد اثنتي وأربعين سنة من الآن
إلى نفسي العزيزة في هذا الزمن البعيد الذي لم أكن أتخيله يوماً.
إن كنت تقرأين هذه الرسالة فاعلمي أنني أرسلت لك هذه الكلمات من لحظة سعادة عميقة أردت أن أزرع في قلبك بذرة من البهجة، ربما تغيرتِ وربما نسيتِ طعم هذه اللحظات لكنني هنا لأذكرك بفرحة الانتصارات الصغيرة، بدفء الأيام العفوية بالنجاحات واللحظات العائلية وبضحكات لم تُخططي لها لكنها ملأت يومك نوراً. احتفظي بهذه اللحظات جيداً، ففي داخلها يكمن سر السعادة التي لا يُمكن للزمن أن يُبددها، وهي دعوة للتواصل معكِ عبر الزمن في عالم سريع التغير حيث تتلاشى اللحظات المفرحة بين زحمة الحياة اليومية والتقنيات.
تتجاوز فكرة هذه الرسالة للتدوين أو التوثيق، إنها نوع من «الكبسولة الزمنية العاطفية» التي صنعتها بنفسي اكتب من قلبٍ مليء بالامتنان واسترجع فيه ذكريات تلك اللحظات الصغيرة التي تعني الكثير لي وأفكر في تلك الأيام التي قضيتها مع الأصدقاء أوشعرت بنجاح أو انتصار.
أنفسنا دائمًا تتوق لقراءة ما كتبناه في الماضي وكأننا نبحث في دفاتر الزمن عن جزء من هويتنا المفقودة نعود إلى تلك الكلمات التي كتبناها من مشاعرنا وأفكارنا لنستعيد لحظات الفرح وعندما نقرأ تلك الرسائل نشعر وكأننا نتواصل مع ذواتنا القديمة مع تلك النسخة التي عاشت لحظات من البهجة، وكأننا نغذي أرواحنا بتجاربها لكنني عكست تلك الفكرة وبدأت من المستقبل.
قمت بهذه التجربة بسيطة وأتمنى أن القارئ العزيز يجدها فرصة لكتابة رسائل لنسخته المستقبلية. اجعلها مليئة بالتفاؤل واسترجع فيها لحظات الفرح التي عشتها، قد تكتب عن إنجازاتك، أو عن الأشخاص الذين جعلوا حياتك أجمل، تذكر كل شي حتى لو كان بسيطاً، هذه الرسالة هي جزء من إرثك، ستحمل لك مشاعر دافئة ومدهشة عندما تحتاج إليها.
أخيرًا.. أنا أكتب لأشرح نفسي لنفسي، إنها طريقة لفهمي وترتيب مشاعري ولكي أعطي حياتي معنى لقد منحتني الكتابة الكثير ولطالما أنقذتني ولازلت أتعلم كي أصل لأكبر عدد من القراء وأن أحدث أثرًا في حياة أحدهم..
وأنت ما الذي ستقوله لنسختك المستقبلية؟
