إزدواجية المعايير
إلى متى ونحن نرى بأم أعيننا الازدواجية في المعايير وخاصة في المصالح المادية والمعنوية. أما آن الأوان لنتجاوز جميعا هذه العادة السلبية من ردات الفعل وطمس الحقائق وقول الحقيقة بدلا من التدليس والمكابرة والوقوف مع المهضوم حقه بدلا من لومه والنيل منه، فقد انتشرت هذه الظاهرة السيئة وما أكثرها هذه الأيام اجتماعيًا وإنسانيًا وأخلاقيا وعرفيًا وهي حاضرة بقوة على صعيد واقعنا المعاصر ومع الأسف منتشرة بين ظهرانينا وهناك من يؤمن بها ويتبناها في قرارات مصيرية وصادمة قد تؤدي إلى انهيار في العلاقات وتفكك في القيم والمبادئ والأهداف السامية والمصيرية حتى على الصعيد الأسري والأخوي والمجتمعي، فما إن تحدث هناك مشكلة ما قد وقعت نتيجة ظروف خارجة عن الإرادة تشابك الطرفان المتضادان ومنهم من يملك القوة والسيطرة والجاه، فيخرس الطرف الأضعف بقوته وجبروته لأنه يراه ضعيفًا ولا يملك القدرة الكافية وقلة حيلته على مواجهته، فوق هذا وذاك الكل يتجاهله وينتقده لقلة حيلته، بينما الطرف الأقوى يجد من يتعاطف معه، ويسانده على ظلمه وغطرسته، بحيث يعاني المغلوب على أمره الهوان والانكسار بسبب عدم إيجاد من يسانده ويعاضده إلا ما ندر.
هنا تكمن الطامة الكبرى، وينتهي به المطاف وحيدا في الميدان تتقاذفه الأمواج، وتنقله من ساحل إلى ساحل على غير هدى، وهذا هو الظلم بعينه ويضيع حقه ولا من ناصر له في مظلوميته إلا القلة القليلة وهي تعد على الأصابع، فتهدر الحقوق وتضيع المستحقات، وتتحطم الأدبيات الأخلاقية والسلوكية، فعلى من يرى الحق حقا والباطل باطلًا أن ينهض بما يملك من همة واستطاعة لمحاربة هذا الوضع الشائن ما أمكن إلى ذلك سبيلًا، وتثبيت ومناصرة من هضم حقه بل يجب أن نأخذ بيده ليسترد كامل حقوقه المهدورة، وذلك بردع الظالم عن ظلمه ونبين للرأي العام وما عليه من الدعم والمساندة في استرداد ما سلب منه والضغط بكل قوة على ذلك المستبد وإيضاح مدى تماديه في سلب حقوق الآخرين وإرجاع الحق إلى أهله لنعيد الأمور إلى نصابها ونفتح نافدة الأمل ليعبر منها كل مسلوبي العزة والكرامة ليأخذ كل ذي حقا حقه كاملًا من غير منة ولا ذلة، وهكذا تصان الحقوق وتحفظ الكرامات حيث لا مجال أن تكون هناك ازدواجية في المعايير ونكون بهذا قد أغلقنا هذا الباب على من يتخذه طريقًا ومجالًا لهدر الحقوق وسلب الكرامات، ومن هنا يشترك الجميع أدبيا وأخلاقيا لمعالجة هذه الظاهرة ونضع أسسا متينة وصلبة والأخذ بيد أولئك المظلومين إلى شاطئ الأمان.