آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 12:38 م

القراءة وكسر التنميط

يوسف أحمد الحسن * الجريدة الكويتية

تؤدي حياة الناس الروتينية في أي مجتمع إلى تقارب وتشابه أساليب حياتهم، بحيث تتشكل في قوالب متعددة ومتشابهة ومعروفة، قليلًا ما يخرج أحد عنها. فيدرس الناس في نفس المدارس، ويلتقون في نفس الأماكن والمجالس أو أماكن العبادة، ويسكنون في بيوت متقاربة الشبه، ويستخدمون نفس الأدوات ووسائل المواصلات، ولذلك فإنهم يغدون متشابهين بنسبة كبيرة، وهو ما يسمى حياة النمط الواحد. وأما التنميط فهو عملية تحويل وتوحيد صفات معينة، مادية أو غير مادية، لشخص أو أشخاص أو مجتمع بكامله إلى قوالب ثابتة.

أما كيف ينعكس ذلك على الناس ثقافيًّا فهو ما أشار إليه الكاتب الياباني هاروكي موراكامي حين قال: إذا كنت تقرأ فقط الكتب التي يقرؤها الجميع فستفكر فقط كما يفكّر الجميع. هذا إن كان يقرأ كما يقرأ الآخرون، أما إذا لم يكن يقرأ فسوف يصبح مثل ملايين البشر الذين يعيشون نفس الحياة، ويتبعون نفس الأساليب والأدوات في حياتهم اليومية، والتي تؤدي بهم إلى نفس المسارات القائمة والنتائج المعروفة.

وهنا يأتي دور القراءة التي تخرج أي شخص من الدوائر والقوالب الجماعية التي يتم صبه فيها، ومن التنميط الذي فرض عليه من الحالة الاجتماعية الراهنة، بقصد أو دون قصد، ليصبح حاله كحال البقية.

تمنح القراءة - حين تكون مركزة ودقيقة - القارئ شخصية حرة مستقلة، تعيش بين الناس لكنها ليست كآحادهم، حين يمتلك صاحبها نظرة خاصة للأمور وطرقًا خاصة يختطها لنفسه وإدارتها، ونهجًا فريدًا أو خلّاقًا لحل المشكلات التي تواجهه، ولذلك فإنه ينجح ويتجاوز العقبات في حين يفشل الآخرون أو يتعثرون. كلمة السر في ذلك هو محاولته كسر التنميط الذي يحاول المجتمع فرضه عليه بالاعتماد على الشائع من الأفكار وإن كان خاطئًا.

ولا نعني هنا طبعًا الخروج عن الثوابت والمسلّمات الدينية أو الوطنية أو التقاليد العائلية، بل الخروج عن كل ما هو غير فعّال أو معيق للتطور، أو ما هو عكس الطبيعة البشرية، وكل ما يؤصل ويثبت حال الجمود والتخلف في المجتمع حتى لو تصالحت عليه نسبة كبيرة من الناس.