معايير النخب
تخضع المجتمعات التي تسعى لتنمية ذاتها إلى عدة معايير لتقيس من خلالها مدى ما حققته خططها الإستراتيجية من أهداف ومكتسبات لها على المدى القريب أو حتى البعيد.
يستلزم إخضاع هذه المعايير نفسها لاستقصاء عن مدى نجاحها وفعاليتها وإمكانية تطبيقها وتناسبها مع طبيعة مجتمعاتنا، فالذي يصلح لبيئة معينة قد لا يصلح لبيئة أخرى.
المعايير الاجتماعية هي قواعد تحدد ما ينبغي وما لا ينبغي أن يفعله الناس في ضوء محيطهم الاجتماعي.
ويعبر عن مخالفة هذه المعايير بالانحراف الذي هو وصف للأفعال أو السلوكيات التي تخرق أو تنتهك هذه المعايير، بما في ذلك القوانين المسنونة.
تتباين المعايير الاجتماعية بين مجتمع وآخر وبين ثقافة وأخرى. فيرى فعل أو سلوك معين على أنه منحرف ويلاقي العقوبة أو الجزاء في مجتمع ما، ويفسر نفس هذا الفعل أو السلوك في مجتمع آخر على أنه سلوك طبيعي وفعل طبيعي. وقد يتغير التصور الجَمْعي للانحراف بتغير فهم المجتمع للمعايير الاجتماعية مع مرور الوقت.
فمدلول الانحراف قد يكون شيئًا نسبيًا مرتبطًا بالمكان والزمان الذي وقع فيه.
فقتل إنسان لآخر تصرف خاطئ بشكل مطلق، لكن حينما يكون متعلقًا بحماية الأوطان والدفاع عن النفس من الضرر فأنه يكون واجبًا وملزمًا.
الأفعال المنحرفة تأخذ ضربين فهي إما أن تكون أفعالًا سيئة بذاتها أو سيئة لكونها ممنوعة.
إن دراسة الانحراف الاجتماعي أمر يهتم به علماء الاجتماع وعلماء النفس والأطباء النفسيون وعلماء الجريمة، وذلك من أجل إيجاد حلول للمشاكل المتعلقة، ولكيفية إيجاد أساليب رادعة، ولضرورة إيجاد صيغة لملائمة الضوابط مع مرور الزمن.
إذا انحرفت معايير الأحكام على فعالية عطاء لفئة ما أو جماعة ما، وتم التقييم على حسب اعتبارات ومصالح شخصية لا تمت بصلة لمقتضى معايير التقييم الفاعلة، فإننا حينئذ لم نصل للهدف المراد والغاية المطلوبة في الوصول لما ننشد له من تحقيق الجودة المطلوبة التي سيعم نفعها وتحقق مراميها المطلوبة.
رسم لنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قاعدة وتوجيه في تحديد معرفتنا للوجهة الصحيحة في تمييز الطريق الصحيح المتبع حين قال: ”الحق لا يعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف أهله“
فمدعي العلم والأدب يفتقر لمميزات العالم أو الأديب، وقد تجد من يرفعه ويعليه بدون وجه حق وبدون أدنى اعتبار سوى أنه تجمعه معه اعتبارات شخصية أو مصالح دنيوية لا تمت بصلة لمن تم وصفهم بهذا الوصف، مما يؤدي لحرف بوصلة العقول عن المعايير الحقيقية لمثل هذه الأوصاف وينجم عن ذلك تغييب الطاقات المجدية الحقيقية في هذا الاختصاص أو ذاك وتأخر عجلة النماء الحقيقي للمجتمعات، ويكون عمله ذلك كمن يبني بنيانه على جرف هار.
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ﴾ [التوبة: آية 109].