العمل الفردي ومعضلة الاستمرارية
في مجتمعنا الكثير من المكتبات الخاصة التي يمتلكها أشخاص. فمنهم من لديه اهتمام بالكتاب كاقتناء وتجميع، والآخر يشتري الكتب ويقوم بترتيبها وفهرستها، والتباهي بأن لديه مكتبة متنوعة، وأنه استطاع أن يجمع الآلاف من الكتب، وأنه يسعى لاقتناء أي عنوان جديد من أجل ضمّه لمكتبته، والبعض يقطع الآلاف من الأميال من أجل حضور معارض الكتاب الدولية لشراء الكثير من الكتب ويصرف الآلاف من الدولارات، وعندما يرجع إلى موطنه سالماً يقوم بوضعها في مكتبته الخاصة، ويبدأ بالحديث للآخرين بأنه صرف وسافر وبذل من أجل الحصول على هذه الكتب. وهذا كله يعتبر أمراً إيجابياً ودليلاً على الاهتمام بالكتاب، والسؤال الذي يطرح دائما، ماذا بعد؟ هل هذا دليل يعبّر عن حالة صحية في المجتمع؟ وهل اقتناء هذه الكتب دليل على أن المجتمع مثقف وقارئ؟ وغيرها من الأسئلة التي تطرح بين الفينة والأخرى! هذه الحالة نجدها كذلك عند هواة وملاّك المتاحف المحلية الخاصة، الذين بذلوا الغالي والنفيس في اقتناء وتجميع المواد التراثية القديمة، واجتهدوا في الحصول عليها، وكلّفهم الكثير من المبالغ، والجهد والتعب من أجل السعي في سبيل الحصول على هذه المقتنيات النفيسة وبأثمان غالية، بعض هذه المتاحف، كما هي بعض المكتبات تنتهي بنهاية وموت مؤسسها، فالجيل الجديد لا توجد لديه الاهتمامات نفسها التي كانت لدى المؤسس، وبالتالي تنتهي بزوال الشخص، وتتحول في الكثير من الأحيان إلى عبء مالي وجهد ووقت، حيث يراه هذا الجيل ليس من اهتماماته وغير مبالٍ بما عمله وقام به من سبقوه، هذه الحالة تتكرر في الكثير من الأعمال الفردية التي تقوم على أفراد وتنتهي بموت المؤسس، والمنتديات الثقافية بنفس الحال، ولدي الكثير من الأمثلة التي تؤكد هذه الحالة، نهاية العمل بنهاية الفرد، فالكثير من المكتبات الخاصة تم رميها، وبعضها عرضت في أسواق الحراج من أجل تصريفها وبيعها بأبخس الأثمان، والأخرى تم رميها في صناديق الورق من أجل تدويرها، والأخرى دفنت في التراب، أو رميت في البحر. أما عما يرتبط بالمتاحف الخاصة فالوضع شبيه، إلا أنه أقلّ خسارة، فالوارثون يجدون في ذلك وجاهة ومدخول بسيط قد يسد جزءاً من التكاليف والمصاريف التشغيلية، والبعض منهم قام بتسجيل متحفه الخاص عبر هيئة التراث، لكي يُعتمد ويصبح من المعالم السياحية في المنطقة، وبالتالي مرّخص رسمياً، وبالتالي يستمر في عمله.
أما المنتديات الثقافية فنقول ، أغلبها توقف ولم يستمر، وذلك إما بسبب عدم وجود أي تفاعل من قبل الورثة، ولم يكن هناك أي عمل مؤسسي للمنتدى، إذ أنه معتمد على فرد، فبمجرد فقدان الفرد انتهى المنتدى. هذه الحالات وغيرها من الأعمال الفردية، تتطلب منا التفكير بتأني والعمل على إيجاد الحلول العملية البعيدة عن العواطف وتقييم الأمور بموضوعية من أجل استمرارها، وهذا لا بد أن يتم بالتنسيق مع الجهات الرسمية حسب كل اختصاص، وألا تترك هذه الجهود تذهب هباءً منثوراً. فالجميع يتحمل المسؤولية، سواء أصحاب هذه الأعمال وكذلك الدولة عبر مؤسساتها الخاصة.