آخر تحديث: 30 / 10 / 2024م - 12:08 ص

سوق ثانوية للرهن العقاري: بين التحوط من الهزات واستدرار النمو

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

يقول الخبر أن السعودية عينت ببلاك روك لتطوير سوق ثانوية للرهن العقاري. بداية، سوق الرهن العقاري هي سوق ينظمها نظام التمويل العقاري الصادر في العام 1433 هـ ، والذي أعطى اعتباراً لإنشاء سوق أولية وسوق ثانوية للتمويل العقاري. وتطوير السوق الثانوية هو نطاق عمل شركة بلاك روك الامريكية”وفقاً للخبر الذي نشرته حصرياً وكالة“بلومبرج”نقلاً لحديث لرئيس بلاك روك في مؤتمر في جنوب أفريقيا. ومن باب الاستطراد، كان يجدر برئيس بلاك روك أن يصبر، ليصدر الخبر في الرياض بتفاصيل أوسع ومن منظور المنظم المحلي للسوق فهو صاحب المشروع وليس الاستشاري «بلاك روك»، ولاسيما أن مؤتمراً عالمياً“مبادرة مستقبل الاستثمار”على الأبواب سيحضره رئيس بلاك روك - كما هي عادته كل عام، وهو - بالقطع - الفعالية الأنسب لإطلاق الخبر.

نعود لسوق الرهن العقاري في السعودية، وتحديداً السوق الثانوية والذي أساس نشاطها أن يقوم المصرف بتقديم تمويل عقاري لفرد أو لشركة لكن المصرف يبيع القرض في السوق الثانوية مع احتفاظ المصرف بالحق في خدمة الرهن العقاري. بصفته منشئ القرض، وبذلك يقوم المصرف بتأمين القرض وإدارته وتمويله وإغلاقه. ويحصل مقابل أتعاب هذه الخدمات ومن ثم قد يحتفظ أو لا يحتفظ بالقرض.

وعلى الرغم أن نظام التمويل العقاري قد نص على الترخيص لشركة مساهمة أو أكثر لإعادة التمويل العقاري، لكن يلاحظ أن نشاط التمويل العقاري لشركات التمويل بما في ذلك شركة إعادة التمويل العقاري، دخل في دائرة“السبات”، على الرغم من الحاجة المتصاعدة لتعزيز العرض من المنتجات العقارية ولاسيما الإسكانية؛ إذ قبع النشاط الربعي لشركات التمويل العقاري «فيما عدا المصارف» ضمن حدود متوسط ربعي يقل عن 22,5 مليار ريال على مدى 13 ربع للفترة الممتدة من الربع الثاني 2021 حتى الربع الثاني 2024 «وهو آخر ربع نُشِرَت بياناته».

وفيما يتصل بالتمويل المتأتي من المصارف، فبات ملاحظاً أن سوق الرهن العقاري تعاني من انسداد؛ فوفقاً لإحصاءات البنك المركزي السعودي تراجع التمويل العقاري الجديد للأفراد المقدم من المصارف إلى 78 مليار ريال، أي ما يعادل حوالي 50 بالمائة من قيمة التمويل في العام 2021، الذي بلغ ملياراً152. قد يقول قائل ان السبب هو الطلب المكبوت بعد جائحة كوفيد، لكن إذا عدنا إلى البيانات نجدها تبين العكس فقد شهد التمويل العقاري في إبان الجائحة نشاطاً واضحاً يمثل قمة أداء السوق. وعند التمعن في نشاط التمويل العقاري لعام 2023 نجده قد شهد تراجعاً مقارنة بأشهر العام 2022؛ بانخفاض يتراوح في أعلاه 55 بالمائة وفي أدناه 2%. وفيما يخص الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024، المتاحة عنها البيانات، فلم يتجاوز إجمالي التمويل 60 مليار ريال، ما يبرر القول أن العام قد يغلق بإجمالي تمويل عقاري مقدم من المصارف قدره في حدود 81 مليار ريال.

وعليه، فلعل من المناسب انتقال السوق من خطةٍ هدفها التحوط من المخاطر «يبدو أن مصدرها تداعيات كارثة الرهن العقاري العالمية»، إلى خطةٍ مرتكزها فتح آفاق النمو. ولذا، فخطوة تنشيط سوق ثانوية للرهن العقاري جيدة لجعل السوق العقارية أعلى كفاءةً من منظور المقترضين، بما يجعل سعر الفائدة أقل حيث أن مصدر الأموال ليس الودائع لدى البنوك، بل السوق المالية.

الأهم هو في الحفاظ على استقرار السوق العقارية، وتحصينها من الهزات بإيجاد موازنة دقيقة بين العرض والطلب: «1» بالحد من تضخم أسعار العقارات المدفوع بالسيولة الفائضة من جانب، «2» من جانب آخر توفير الحوافز لزيادة العرض من الوحدات العقارية ولاسيما السكنية، وهذا يتطلب العمل على تطوير نشاط التطوير العقاري وتعزيزهِ بعددٍ من المبادرات التنفيذية المؤثرة ولاسيما تلك المتعلقة بالتنظيم الحضري، والمصادقة على المخططات، وتوفير البنية التحتية لها بتكاليف منافسة، «3» وتنظيمياً بوضع الضوابط للتأكد من مقدرة المقترضين لشراء عقارات من قدرتهم على السداد دون تعثر يذكر، ومن قدرة المشترين للرهون العقارية أنهم اشتروا بالقيمة العادلة الخالية من الجهالة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى