حسام الناجي وداعٌ بلا موعد
بخطوات مُثقلة بالغُبن ذهبتُ لزيارته ظللت أشعر بالبرد والثقل، مليءٌ بآثار الدموع والغبار هكذا كان شاهد قَبره يجعل أعيننا تذبل من الحُزن ثم نرحل كما الغرباء، وكلمّا مرّت سحابة عابرة قالت لأعيننا الباكية: العالم ليس مكانًا لنبقى فيه، دعونا نمر، يبدو أن الطيبين يجدون راحتهم في عالمٍ غير هذا، كأنهم ينتمون لفضاء أوسع وأرحم من هواء الدنيا، حيث الألم لا يثقل قلوبهم النقيّة.. يا له من زمنٍ غريب.
يصير فيه الوقت نذير الحزن، والليل ترجمان اليأس، والنور ضائع في غير مساره، فالموت بالنسبة لهؤلاء هو السعادة الأبدية.
هكذا رحل حُسام عن أحبته وهو من كانت بسمته تجعلُ من كل صباحٍ فرحًا جديدًا، ومن كُلِّ مساءٍ طمأنينة، وكأنه عنفوان محبةٍ تنتزع الغصن من لذة الثمر، حيث افتقدنا شخصًا كان يحمل النور بيننا، تاركًا فينا فراغًا عميقًا وذكرياتٍ عالقة كوشمٍ في قلوبنا وقلوب من عرفوه وأحبوه وتعاملوا معه من قربٍ أو بُعد، وأما من لم يعرف ”حُسام الناجي“ فهو قطيفيٌ أصيلٌ عاشقٌ غيورٌ لها ولأهلها، يحمل في قلبه ولاءً عميقًا لا حدود له لهذه الأرض، كان فَيض عِشقه يَظهر في كلِ كلمةٍ ينطق بها، وفي كل موقف يَقفه، وكأنه يُجسد طينة بيوت القطيف الشامخة بعراقتها وثراء تاريخها ودفء قلبها وواحتها الشماء.
لم يكن ”أبو ولاء“ مجرد شخص بيننا بل كان منبعًا للوفاء، تجده أول المبادرين لكل عملٍ خيّر، لم يكن يومًا ينتظر الشكر أو المقابل أو الظهور، بل كان يعمل بتواضعٍ وصمتٍ ونيّةٍ صادقة تنبع من قلبٍ يلهجُ بمكارم العطاء والأخلاق الرفيعة.
وكأن للمحبة عهدًا لا يقطعه الرحيل، التقى ”حسام أبو ولاء“ بأخيه وصديقه المقرب الحاج الغالي“سجاد الشيخ أبو نور"، الذي فارقنا ورحل عنا فجأة أثناء إجراء عملية قسطرة القلب في العام 1439 هـ، ومن حينها ظلت ذكراه عالقةً في قلب حسام، يلهج بها ويستعيدها في كل موقف واليوم، بعد مرور سنوات طويلة وتغييراتٍ واسعة في“مقبرة الخباقة بالقطيف”، يشاء القدر أن يجتمعا مرة أخرى، في مسارٍ واحد قريبيْن في المكان، بفاصل ضئيل بين قبريهما، كأنما الأرض أرادت جمع أرواحهما مجددًا لتستعيدهما الذكريات، في صمتٍ يخترقه الحنين، يتحدثان بلغة لا يفهمها أهل الأرض أرادت أن تجمع القلوب الصافية مرة أخرى، في مشهدٍ يدعو للخشوع.