الدرس الأول: مجرّد ورم
في صباح اليوم الذي عرف فيه العالم بأس اللاعب السعودي وهو يدكّ حصون المنتخب الأرجنتيني. لكم أن تتخيّلوا أنّي كنت برفقة والدي في عيادة أخصائي الأورام في مستشفى الملك فهد التخصصي. لقد كان قلبي يخفق كما لو أنه بركان يستعدّ لأن يقذف حممه في كلّ مكان. وما هي إلّا لحظات حتى وجدت نفسي على الأرض ورأسي في حضن والدي. وبجانبي الممرضة تحاول تهدئتي من هول الصدمة. رفعت رأسي وكأني أحاول أن ألقيَ نظرة وداع إلى والدي لكني تفاجأت بابتسامة هادئة على وجهه وهو يقول: اهدئي يا حبيبتي ”إنه مجرد ورم“.
دائمًا ما كان يقول والدي ”إنه مجرّد ورم“ محاولًا إيحائي بأنّ الأمر بسيط. بداية كنت أقدّر مدى تعاطفه إلّا أنه في الوقت نفسه كنت أعيش الواقع وأهيئ نفسي لما هو أسوأ. ومع مرور الوقت بدأت مفاهيمي تتغيّر. لقد كان يرقد إلى جانبي وفي أحضانه جهاز الكومبيوتر يتنقل بين صفحات الجامعات باحثًا لي عن مقعد دراسي. وفي أحد الأيام دخل غرفتي ووجدني منهارة من البكاء. ثم عانقني وقال: اطمئني سوف ينمو شعرك من جديد. حينها نظرت إليه وكدت أن أصرخ قائلة: ”كفاك خداعًا إلّا أني لم أجرؤ على ذلك“، وفجأة قطع صوته مجرى تفكيري حينما قال لي: ”منى“ حبيبتي اجهزي للخروج، سوف نذهب للتدريب على قيادة السيارة كما وعدتك.
إنّ ما جرى هو أني منحت نفسي الفرصة بأن أسدّ أذني بكلتا يدي كي لا أسمع الصوت الذي يأتي من الداخل. الذي كلما شعر بأني أحاول أن أستمتع في اللحظة يطلب مني أن أكون جاهزة للموت. ومضت الأيام وأتقنت قيادة السيارة ثم وجدت نفسي مع والدي وأمي وإخوتي في الوكالة أتنقل بين مقاعد السيارات، فوالدي وعدني بأن يشتري لي سيارة بعد الفصل الدراسي الأول من الدراسة للجامعة. حينها لم أحصل على قبول من الجامعة ولكني بطريقة تفكير والدي كنت أعيش لحظات المستقبل وأخطط للسعادة من حيث لا أشعر. لقد تسلّل الأمل إلى شراييني وصار جزءًا من أنسجتي.
صحيح بأني كنت دومًا متفائلة في مختلف جوانب حياتي. إلّا أنّ مرضي علّمني بأن للأمل مسارًا آخر لم أكن أعرفه وهو ما تعلّمته من والدي. فتجربتي مع سرطان الثدي كانت مرحلة وانتهت. وأول المبادئ التي تعلّمتها كان مبدأ ”إنه مجرد ورم“.