آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

لا أحد يشبهك

محمد الحرز * صحيفة اليوم

لا أحد يشبهك، لا أحد يقرع باب الحياة الكبير، بيديه الخشنتين، غيرك، ولا يتوقف عن القرع مهما استيقضت براكين وانتبهت وحوش من غفوتها، لا أحد يركض فوق جسد أيامه وكأنه يركض في مضمار سباق السيارات غيرك، لا أحد تلاحقه هاوية من طريق إلى آخر، وكان يظنها مخلب ذئب رآه في أحلامه القديمة غيرك، لا أحد كان يغوي فتيات الحي بنظرة شاردة غيرك، ولا يرسم ضحكاتهن المنفلتة على جدار آيل للسقوط غيرك، لا أحد رأته أمه يطفو على سطح الماء ولا يغرق، عند الولادة غيرك، الذين سمعوا ولم يشاهدوا ربّوا أحصنة في حظائر مخيلاتهم حتى يقبضوا على الماء حين يجفف نفسه تحت أشعة شمسهم.

لا أحد يستيقظ كل مساء ويرى نفسه ورقة بيضاء مكتوبا عليها: خذ هذه الحنجرة واصرخ بها في وجه العالم غيرك، لا أحد يقذف قصائده بالحجارة إذا وجدها تلعب خارج منزله غيرك، لا أحد يضع جسد خيباته على سرير الإنعاش، ويعرضه لصاعق كهربائي غيرك، ألهذا السبب كنت تأوي في بيتك كل كلام أصابه العطب ولم تفلح الأفواه في نطقه!.

ألهذا السبب كنت تقتلع الخوف من جذوره، وتسمنه مثل حمل صغير؟!. ثم تأخذه في جولات سياحية حول العالم حتى لا يشعر بالوحدة والغربة.

لا أحد يشبهك لا في القول ولا في الصمت ولا في النظرات ولا في الإرادة. يسمعك أصحاب الدمى، فيضيئون مسارحهم بأضواء الخطب الرنانة التي يعشعش في جنباتها خفافيش قاتلة، تتغافلك الجبال والوديان ورمال الصحراء؛ لأن الذين خطفوا اسمك من الشقوق والسراديب والأبنية تركوك خفيفا مثل هيكل لا يُرى بالعين المجردة، النساء اللواتي اعتدن أن يحجبن عيونهن كلما عبرت نظرة قديمة سقطت منك في الطريق سيكسرون مراياهم حتى يقبضوا على ما تبقى من شظاياها.

لا أحد يشبهك أيها العصفور الفزع من ظله، خذ نَفَسَك العميق وادخل به طرقا متعرجة إلى الرغبة ولا ترأف بأحواله مهما احتال عليك الدم وأسمعك أنينه في الأعماق.

لا أحد يشبهك حين تركتَ الفراغات وراءك دون إشارة أو دليل في الكثير من الجُمل الناقصة في حياتك؛ حتى قال عنك الذين قرأوك: الحفاة وحدهم يرمون أجسادهم في الخطأ.

لكنك تعودتَ أن تكون مغطى بالكامل بالعلامات، تعالج معناك بالسلالة وكلما برزت على جسدك تشققات الجُمل ذاتها سينجو اللاجئون الذين رموا أنفسهم وسينزعون النعاس من أعينهم مثل مسمار صدأ، وسوف ترى ماءك وقد امتلأت به تلك الفراغات.

وأنا أجر شبيهك على الأرض والدماء النافرة من فمه تسيل مثل خيط يلمع في التراب، خطرت في ذهني فكرة الذين ماتوا وهم ينقذون من الغرق ندوبا قديمة قد أخفيتها عن الناس حتى لا يقال: هناك الكثير من الناس الذين يشبهونك، والتقرير الطبي الذي أظهرته كدليل على نفي الشبيه، ليس سوى نسخة قديمة من قصيدة رموزها غامضة ولا تقول سوى أن كل شيء حولك يذكرك بشبيهك، فلا تدّعي أنك واحد لا شبيه لك.