في معوقات النهوض العربي
وفق تقديرات مراكز بحثية في مجالات التنمية فإن ثروة الوطن العربي تتمثل في الدرجة الأولى في احتياطيه من النفط والغاز الطبيعي، حيث تصل نسبة الاحتياطي من هذه الثروة إلى 50 في المئة من احتياطي العالم. لكن انعكاسات هذه الثروة على نقل المجتمع العربي، من حال التخلف إلى حال التقدم والبناء تبدو ضئيلة جداً، حين تقارن بما يختزنه هذا الوطن من الثروات.
فالوطن العربي الذي لا تتجاوز نسبة سكانه إلى إجمالي سكان العالم في بعض التقديرات 3,5% فإن الناتج القومي من الدخل لا يصل في أكثر التقديرات إلى 5 في المئة من الناتج الإجمالي في العالم، رغم ضخامة الثروات العربية. بل إن كثيراً من الاقتصاديين العرب قد قللوا من هذه النسبة، بما يعني أن الدور النسبي للاقتصاد العربي ما يزال ضئيلاً في التجارة الدولية.
والمؤكد أننا لم نستطع حتى الآن استغلال الثروات الطبيعية الموجودة في الوطن العربي، بل إننا في الغالب لا نستغلها على الإطلاق. وإذا حدث أن تم استغلالها فإن ذلك لا يتم بالكفاءة المطلوبة.
وحين ننتقل إلى الثروة السمكية فإن سواحل البلدان العربية تمتد عشرات الآلاف من الكيلومترات، وعلى مجموعة من البحار والخلجان والمحيطات، كما تمتد أنهارها عدة آلاف من الكيلومترات، فإن الثروة السمكية والمائية تكاد تكون غير مستغلة، إلا في حالات لا تتسق مع الإمكانيات المتوفرة من هذه الثروة.
وحين نأتي لموضوع الزراعة، فإن نسبة الأراضي القابلة للزراعة لا تزيد على 3,7 في المئة من المساحة الكلية، مقابل 6,7 في المئة بالنسبة للعالم ككل. والزيادات التي تضاف من الأرض القابلة للزراعة هي أقل كثيراً من معدل الزيادة السكانية في الوطن العربي. وما زالت الزراعة تدار في عدد من الأقطار بالطرق البدائية التي جرت بها لآلاف السنين.
أما بالنسبة لقوة العمل العربية فإننا إذا استبعدنا الدول النفطية نجد أن أكثر من 5 في المئة من قوة العمل تعمل في قطاع الزراعة، وتصل هذه النسبة في بعض البلدان إلى 80 في المئة. ولا يعمل في مجال الصناعة سوى النزر اليسير من العمالة العربية، نتيجة لضيق ومحدودية أنشطتها.
أما الأمية فلا تزال تشكل معضلة كبيرة في عدد كبير من الأقطار العربية، رغم أن بلدان العالم المتقدم قد تجاوزتها منذ سنوات طويلة. ففي بعض البلدان العربية تصل نسبة الأمية إلى 70 في المئة، بما يجعل هذه البلدان في خانة الدول المتخلفة. وحتى حين نأتي إلى المتعلمين من الأفراد فإن نسبة إنتاجيتهم الاقتصادية إلى حجم الاستثمار المالي في التعليم والثروة التعليمية توضح علاقة غاية في التشوش. فالعلاقة الطردية غير متوازنة أبداً بين الإنتاجية الاقتصادية وكم الثروة التعليمية قياساً بمستوى سنوات التعليم للفرد.
كما يواجه الوطن العربي اختلالات سكانية كبيرة تتفاقم يوماً بعد يوم، وتنذر بمخاطر كبرى. وتتمثل هذه المشكلة في وجود كثافة سكانية عالية في بلدان عربية، ذات مصادر اقتصادية وموارد مالية محدودة، وثروات ضخمة في بلدان عربية أخرى.
وللأسف فإن معضلة البلدان ذات الكثافة السكانية العالية، قد تضاعفت عدة مرات خلال نصف القرن المنصرم، ما أدى إلى تضعضع في قيمة عملاتها بشكل كبير، ألقى بكلكله على الطبقات الدنيا. وقد انضم عدد كبير من أبناء الطبقة المتوسطة في تلك البلدان إلى خانة الفقر، حيث باتوا غير قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية للعيش الكريم.
وقد عكس هذا الواقع نفسه في هجرة الأدمغة العربية، بأعداد كبيرة، إلى الخارج، إلى حيث تكون الحياة أكثر رغداً وكرامة. وقد تسببت هجرة الأدمغة العربية، في الحاق ضرر كبير بالأقطار العربية، فهي إضافة إلى حرمان تلك الأقطار من الكفاءات، تسببت في خسارة ومشاكل اقتصادية في البلدان التي هاجرت منها، ويأتي في المقدمة منها الكلفة الحضارية، التي تكبدتها الثروة القومية، والتي هي ملكية عامة للمجتمع العربي، الذي تكفل بتكوين وتعليم الأدمغة المهاجرة.
أما في مجال التنمية، فإن علاقة البلدان العربية مع بعضها، في هذا المجال تكاد تكون معدومة. فالتنمية منذ البدء جرت على أساس قُطري، ودون تفكير في تحقيق أدنى قدر من التنسيق، أو الترابط الصناعي فيما بينها. وكانت النتيجة أن خطط التنمية جرى الإعداد لها بمعزل عن بعضها البعض، ولم تحمل أي اتجاهات مواتية لقيام أواصر كافية لتطوير التعامل والتلاحم بين الاقتصادات العربية. بل إن هذه الحركات الإنمائية، على العكس تماماً مما يفترض فيها، حملت اتجاهات مضادة منافية للتكامل الاقتصادي الجماعي بين الأقطار العربية.
لقد كان من نتائج غياب التنسيق بين البلدان العربية تماثل وضعف هياكلها الاقتصادية، وتراجع التبادل التجاري بين هذه البلدان، لدرجة الغياب.
خلاصة القول أن الخروج من هذا الواقع المأساوي الذي تعيشه معظم الأقطار العربية لن يكون ممكناً خارج إطار التنسيق العربي، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي، وصولاً إلى تحقيق وحدة اقتصادية كاملة بين هذه الأقطار، فهي السبيل لبناء القدرة العربية الذاتية، والارتفاع بالمستوى الاقتصادي والصحي والثقافي والحضاري للإنسان العربي، والقضاء على معوقات التنمية والنهوض، وهي الطريق لتجاوز واقع التخلف الراهن، فعسى أن لا يكون هذا النداء في واد سحيق.