آخر تحديث: 16 / 10 / 2024م - 1:06 م

هل قلب الثاءِ فاءً لواچة؟

طاهر بن محمد المدن *

استَقَيت كلمة لواچة في عنوان هذا المقال، من كلمة ألوچ، وهي من كلمات اللهجة القطيفية، والتي تعني الشخص الذي لا يُحسن الكلام والتصرف، والتي رَبَطَتْها أذهان الناس بظاهرة لَهَجِية كانت سائدة في لهجة أهل محافظة القطيف، وهي قلب الثاء فاءً، سيتضح بعد هذا المقال إن شاء الله أن هذه الظاهرة التي ظُنَّ أنها مجرد لواچة، وأنها لا تَمتُّ للأصالة بصلة، أن هذا محض توهم.

ليست ظاهرة قلب الثاء فاء ناتجة عن جهل في اللغة وجهل في النطق من كبار السن في الزمن الماضي فهذه الظاهرة اللغوية ترجع لأصول عريقة موغلة في القدم فهاهو القرآن يحوي في بعض آياته الكريمة كلمات قُلبت الثاء فيها فاء فقد جاء في سورتي هود في الآية 40 «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ» وفي سورة المؤمنون في الآية 27 «فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ» [1] ، فكلمة فار هي نفسها كلمة ثار مُبدلة بحرف الفاء بدلًا من الثاء إبدالًا جليًا واضحًا للعيان.

كما أن هناك آيتين كريمتين أخريين تحوي أيضًا كلمات بُدلت فيها الفاء ثاء، نص عليها السيد شبر علوي القصاب في سلسلة بحوثه، اللهجات المحلية في الخليج، اللهجة في القطيف مثالاً [1] ، وهي قوله تعالى: «فادعُ لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثّائها وفومها . البقرة الآية 61. وقوله تعالى: ﴿كلما أُلقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور الملك الآية 27. [2] 

إن إبدال الثاء فاء هي لغة تميمية ما زالت متبقية بعض البلدان العربية للآن فهي ليست محصورة بمحافظة القطيف فحسب، وقد عددت سلسلة البحوث المذكورة آنفًا شواهد عدة على ذلك منها شاهد على رجوع هذه الظاهرة لقبيلة تميم ووجود هذه الظاهرة في اللهجات الأردنية: ”وتحت عنوان: «أصالة لغوية في اللهجات الأردنية يقول الأستاذ توفيق عبد الرب عند كلامه عن ظاهرة قلب الثاء فاءً: «وهذا الإبدال لغة تميمية مشهورة مازالت متبقية»، قال الدكتور صبحي الصالح: «الثاء عند تميم تقابل الفاء عند الحجازيين، ومن ذلك قوله تعالى: «يخرج لكم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها»، ومثلها قولهم الأثافي في الأثاثي، فإنها تقابل في لهجة تميم الأثاثي» [13] .“ [3] 

وهناك شواهد أخرى من بلدان وأُناس أُخر إضافة للمثال السابق فهناك من هم من حضرموت ممن يقلبون الثاء فاء: ”وفي منطقتي المكلا والشحر وما حولها شرقاً على ساحل حضرموت في جنوب اليمن ينطقون الثاء فاء فيقولون: «فلافه وفلافين، وفوم، وتحدف» بدلاً من «ثلاثة وثلاثين، وثوم، وتحدث» [17] .“ [4]  وفي المغرب العربي أيضًا: ”ومن جهة أخرى يذكر العالم الفرنسي كانتنيو أن عدداً من سكان التل البدو في مستغانم في المغرب العربي يبدلون الثاء فاءً نحو قولهم في ثاني: فاني [18] .“ [5] 

وكذلك أهل صقلية: ”ولم يقتصر هذا التبادل على عصور الإحتجاج العربية بل استمر حتى عصرنا الحاضر ففي القرن الخامس الهجري لاحظ إبن مكي الصقلي «ت 501 هـ» أن أهل صقلية كانوا يقولون فم بدل ثم، وأفرم بدل أثرم «وهو الذي انكسرت ثنيته» [16] .“ [6]  وكذلك سكان ثاج: ”وبعض العوازم بمن فيهم سكان ثاج الحاليين يستعملون كلمة فاج، ويلاحظ أن بعض سكان تلك الجهات يبدلون الثاء فاءً ولهذا بعضهم يقول: «فاج» [19] .“ [7] 

أخيرًا، تنشأ كثير من الأوهام في أذهان الناس، يدحضها العلم والقراءة والتنبُّه، هذه واحدة من الظواهر التي تعرضت للنقد والتهكم والازدراء، بسبب عدم علم أصحابها بأصالتها اللغوية وقدمها التاريخي.

[1]  مقال اللهجات المحلية في الخليج، اللهجة في القطيف مثالاً 1، الكاتب: السيد شبر علوي القصاب، مجلة الواحة العدد 22.

[2]  نفس المصدر السابق.

[3]  نفس المصدر السابق.

[4]  نفس المصدر السابق.

[5]  نفس المصدر السابق.

[6]  نفس المصدر السابق.

[7]  نفس المصدر السابق.
كاتب مهتم بالتراث