آخر تحديث: 16 / 10 / 2024م - 1:11 ص

الأثر الاقتصادي لتخفيض السعودية إنتاجها من النفط: تذبذب سعر النفط“جيوسياسياً”«10»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

حدث ذلك مراراً وتكراراً عبر عقود متتالية أن يتذبذب سعر النفط بناءً على معطيات جيوسياسية، ولعل ما حدث خلال الأسبوع المنصرم مثال صارخ، فما حدث من تقلبات خلال الأسبوع في سعر النفط هي“الأعنف”منذ يناير 2023، لتتماهى مع“عنف”المخاطر الجيوسياسية نتيجة لتصاعد الشد بين“إسرائيل”وإيران، وتبادلهما التهديد بمزيد من الضربات، مما قد يترجم على أرض الواقع بتعطل صادرات إيران من النفط ك «1,7 مليون برميل يومياً» كلياً أو جزئياً، بما يدفع الأسعار إلى الأعلى، وفي حال كان رد إيران بتعطيل حركة المرور في مضيق هرمز - كلياً أو جزئياً - فذلك سيرفع سعر النفط لما فوق المائة دولار وفق التجارب السابقة إبان الحرب العراقية - الإيرانية ووفق توقعات المتعاملين.

لكن عند تتبع تحرك سعر خام“برنت”منذ يوم 7 أكتوبر 2023 حتى الآن يتضح أن سعره كان في الأسبوع الأخير من سبتمبر 2023 أغلق عند ~94 دولار، وأخذ في التراجع ~76دولار في نهاية ديسمبر، وتبرير ذلك أنه آنئذ كان عوامل أخرى مسيطرة على المشهد لاسيما السيطرة على التضخم الولايات المتحدة وأمريكا وتأثيرات سعر الفائدة المرتفع في لجم النمو الاقتصادي. وبدءاً من شهر فبراير 2024 بقي سعر خام“برنت”يتحرك في مضمار الثمانينيات من الدولارات، وفي سبتمبر تراجع إلى السبعينات متأثراً بضعف نمو الطلب إلى 800 ألف برميل في النصف الأول 2024مقارنة 2,3 في النصف الأول 2023، وزيادة الانتاج من النفط من دول خارج“أوبك+”مثل الولايات المتحدة وكندا، ما سبب زيادة الفائض في الأسواق، وتخفيض توقعات السعر النفط من قبل البيوتات المالية مثل“جولدمان ساكس”.

وما يبين مدى التذبذبات التي يمكن أن تصيب سعر النفط نتيجة لتغييرات جيوسياسية، هو أن الصورة - المرسومة في الفقرة أعلاه - سريعاً ما انقلبت بفعل عامل جيوسياسي، بحيث عدل“جولدمان ساكس”من توقعاته مع نهاية الأسبوع الماضي «4 أكتوبر 2024»، بأن يرتفع سعر الخام 20 دولاراً إذا ضربت“إسرائيل”المرافق النفطية الإيرانية.

النقطة هنا، لطالما عاش اقتصادنا في ظل مثل هذه البهلوانيات لسوق النفط، والتي نشهد أن تأثيراتها أخذت تخف مع تحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030، بتنويع الاقتصاد المحلي تنويعاً عميقاً. ماذا يعني التنويع العمق للاقتصاد؟ إحداث تغييرات في الأنشطة الاقتصادية القائمة بالانتقال إلى مستوى أعلى من توليد المكاسب على سائر حلقات سلاسل القيمة، بما يعني أن تصبح ما ينتج من سلع وخدمات سعودية أعلى تعقيداً، وهذا يعني مزيداً من الانفاق على تطوير مهارات رأس المالي البشري واستقطاب المواهب والكفاءات، ومعامل البحث والتطوير لتلك للمنتجات، وللقطاعات الداعمة التي تكون البيئة الحاضنة والمُمَكنة، مثل الخدمات اللوجستية والصناعية والتمويلية. وعند التمعن، نجد أن هذه هي الوصفة التي تتبعها السعودية لتحقيق اقتصاد قائم على توليد القيمة وليس تصدير الموارد الخام، وهذا المنحى هو خير تحوط لمجابهة تذبذبات سعر النفط، وبالتالي تحصين الاقتصاد ضد الصدمات الاقتصادية خارجية المصدر، كالتالي ولدها النفط نتيجة لانهيار أسعاره نتيجة لأسباب جيوسياسية إقليمية وعالمية أو نتيجة لتراجع الطلب على النفط نتيجة لضعف الاقتصاد العالمي.

«يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى