آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

الوجه الآخر لتعدد الاعتقادات والأديان

رائد بن محمد آل شهاب

على الرغم من اعتقاد الكثيرين بأن النشأة في أسر مختلطة الأديان قد تكون مرهقة، إلا أننا نكتشف أنها في الواقع ممتعة للغاية. قد تربك تربية الأبناء بين أتباع ديانات مختلفة الأطفال. وقد تضلهم، وتجعل التواصل معقداً، وتؤدي إلى صراعات قد يكون من الصعب حلها.

لكن تجربة إريك البالغ من العمر 15 عاماً في النشأة مع والدين من ديانتين مختلفتين بعيدة كل البعد عن هذه الافتراضات. والدة إريك مسيحية ووالده مسلم. يعيش إريك حالياً في الفلبين، وقد عاش في العديد من الأماكن حول العالم بسبب عمل والده في المراقبة والأمن. إلا أنه يعتقد أن النشأة في أسرة مختلطة الأديان ساعدته على أن يكون شخصاً أفضل.

قال إريك: ”والداي لديهما أماكن خاصة للصلاة. كما أن لديهما أوقات صلاة منفصلة وطقوس خاصة بهما. نحتفل تقريباً بجميع الأعياد من كلا الجانبين. لذا فهذا ممتع للغاية“.

عندما يفكر الآخرون في الأطفال الذين لديهم آباء من ديانات مختلفة، فقد يفكرون في الأعياد والاحتفالات المختلفة كسبب للارتباك والتوتر. ما الذي يحتفل به الأطفال؟ كيف يختارون؟

وفقاً لإيريك، ليست هناك حاجة للاختيار. فهو يحتفل بكل شيء ويتذكره بحنان. قال: ”لدي ذكريات رائعة عن والديّ ووالديهما يحتفلان بكل شيء“. وليس إيريك فقط من يستمتع بالاحتفالات.

قال: ”أحياناً أعتقد أن جيراننا يحبوننا كثيراً لأننا نحتفل دائمًا بشيء ما وهناك طعام رائع للجميع“. بالطبع، الدين ليس مجرد حفلات. إنه يتعلق بممارسة قيم الأديان أيضاً.

أخذ والدي إيريك ابنهم إلى الكنائس المسيحية وكذلك المساجد، وتعلم طرقاً مختلفة للصلاة من والديه وأجداده. لكن ليس كل شخص يفهم وضعهم.

قالت آبي، والدة إيريك، إنها وزوجها اضطرا إلى إقناع الكثير من الناس بأن علاقتهما ستنجح وأنهما يمكنهما تربية أسرة. وبحسب قولها، فإن كل هذا الوقت الذي قضته في الدفاع عن نفسيهما من الآخرين جعلها وزوجها أقوى معاً. وقالت: ”كنا مشغولين للغاية ببناء حياة معاً ولم نفكر في اختيار أي جانب“.

ومع ذلك، حتى بعد زواج آبي وزوجها وإنجابهما للأطفال، لا يزال الناس يشككون في علاقتهما.

وقال إريك إن النشأة في منزل متعدد الأديان لم تكن صعبة، لكن التعامل مع ما يعتقده الناس في الخارج كان صعباً. ووفقاً له، فقد تعرض هو ووالديه للسخرية في التجمعات الدينية لكونهم ”مرتبكين“. لكنه وجد طريقة للتعامل مع الأمر.

”هناك آخرون على استعداد للاستماع إليك وفهمك.“ أشعر أنه من الأفضل التفكير في ذلك وقضاء الوقت معهم"، قال. من جانبه، استمتع إريك بتجربة تربيته على يد والدين من ديانتين مختلفتين.

قال إريك: ”علمني والداي أشياء أرى أن الآخرين يكافحون لتعلمها. مثل الصبر. لقد تعلمت الصبر لأن والديّ خصصا الوقت لتعليمي عن ديانتيهما“. ”لقد علماني أن أكون لطيفاً لأنهما لم يكونا لطيفين مع بعضهما البعض فحسب، بل ومع أشخاص آخرين من ديانات أخرى أيضاً. لقد علماني أيضاً كيف أكون شجاعاً، وأقاتل من أجل ما أريده حقاً، وأحب عائلتي وأحميها“. تقول آبي إن هذا هو في النهاية ما يهمها أكثر كوالدة: أي نوع من الأشخاص هو إريك، بغض النظر عن ديانته.

عندما نعود إلى القصة الجميلة أعلاه، قد ينظر لها من معظم الناس قصة خيالية في هذا العصر المتسارع والمتقلب والمحزن بأحداثه. فخروج وكبرياء إبليس عن عدم امتثال أوامر الخالق العظيم، بناءً على حسده إلى آدم ونعمه الله عليه. ولذلك رفض السجود تكبراً. فأخرجه الله سبحانه وتعالى من الجنة. ولكن لا يزال يعيش بين جميع الكائنات الحية. وهذا يقودنا إلى عدم الاستغراب من تصرفات منافية للفطرة أو الإنسانية، فهو الامتحان الحقيقي.

هذه القصة الرائعة، رأيت معالمها عن قرب، واعتقد شعر بها أناس آخرين بمحيطها الذهبي، فالراحل الشاعر والأديب والكاتب والدبلوماسي والوزير غازي بن عبد الرحمن القصيبي ”رحمه الله“، زوجته تلقب بأم يارا، ألمانية الجنسية، وتتحدث اللغة الألمانية والعربية. فهو غني عن التعريف في إثراء أدبه وعلمه للمجتمع.

والوجه الأجمل في مسيرة حياة الإنسان على الإطلاق، هي نعمة الحياة ووجود عائلته حوله. في هذه الأيام أكملت عقداً من الزمن، عشر سنوات مضت على المواجهة الحاسمة بين الطبيعة والسرطان. نهاية عام 2014 نقطة تحول جذري في حياتي، دائماً وأبدا أحمد الله تعالى على الصحة ووجود عائلتي حولي، واليوم يجلس بجانبي الوالد العزيز المهندس. محمد بن عبدالله آل شهاب ”حفظه الله“، محاط بجميع الإصدارات الورقية.

أجدد الشكر والعرفان لوالدي، ووالدتي الذين لهم الأثر الأكبر لتكوين شخصيتي. وزوجتي وبناتي رفقاء الحياة الجميلة وصمودهم معي بقارب المفاجئات، وإخوتي وأخواتي مصدر القوة والتفاؤل. نسأل الله العلي القدير أن يحفظهم فرداً فرداً. الجدير بالذكر، أن الوالد الكريم، خريج بكالوريوس من Western Michigan University عام 1978 في الهندسة الميكانيكية، بدأ موظف بشركة الزيت العربية المحدودة، التي تعرف اليوم بشركة أرامكوا للأعمال الخليج، ثم تدرج بمناصب إدارية كمدير دوائر عديدة مثل العقود والصيانة والمشتريات... إلى أن وصل إلى رتب رفيعة جداً في الهرم الوظيفي كمستشار في الإدارة العليا. حالياً، هو متقاعد ورجل أعمال في مجال المشاريع السكنية، وله مساهمات اجتماعية ملموسة. ووالدتي كاتبة وأديبة مميزة، حصلت على دورات إنجليزية مكثفة في نفس الجامعة الأمريكية أعلاه. وزوجتي تحمل شهادة جامعية في مجال التغذية ولها شغف وباع طويل في مجال الخدمات البنكية المميزة. ولدي ابنتان في المراحل الدراسية التابعة للمناهج العالمية.

اثنان من الإخوة، أحدهم دكتوراه في مجال الهندسة والإلكترونيات، ويعمل في مجال الطاقة والتجارة. ويتحدث اللغة اليابانية بطلاقة. والأخ الآخر، متخرج بدرجة البكالوريوس في التجارة والاقتصاد ويشغل أعمال حرة بالعطور وعناية الجسم، ويتقن اللغة الألمانية بطلاقة. والأخوات الثلاث، يحملون درجات الدكتوراه الطبية، ويشغلون مناصب إدارية وتخصصية وعامة. فأنا أكبر الجميع سناً.

وفي الختام، بعد عقد من المواجهة، لا زال الإرهاق المتواصل يخيم على صحتي، ولكني سعيد بينكم، وأقدم الشكر الجزيل إلى والدي زوجتي، وكل الأقارب من عائلتي وجميع من شاركنا بالدعاء والتواصل.