آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 2:52 م

أخطاءنا بين التجربة والواقع

بدرية حمدان

تسجيل الأخطاء التي نقع فيها للاستفادة منها، حتى وإن تكررت عدة مرات، فالتجربة قد تعاد مرارًا للوصول إلى أفضل النتائج. مع كل خطأ تُنسج قصة، رسمتها وصاغت أحداثها عجلة الزمن. هي لحظات جهل أو ضعف تحمل معاني، وتعد رسائل موجهة للسقطات والقرارات التي لم تكن في محلها، لكنها في جوهرها كوّنت عمق التجربة. فكل عثرة يليها وقوف، ولحظة إدراك.

الأخطاء هي نوافذنا إلى المعرفة وتعلم الدروس، بل هي فرص للنمو والتطوير وتحسين الذات. فالخطأ مرآة تعكس ما فينا من ضعف. عندما نقف أمام المرآة ونعترف بأخطائنا ونعاتب أنفسنا، نكون قد أدركنا معنى الخطأ.

بعض الأخطاء موجعة، وقد تترك ندوبًا عميقة وجروحًا يصعب معالجتها أو نسيانها، فتظل تتراكم لتصبح آلامًا مزمنة.

”بالخطأ أو من غير قصد“ عبارة تتردد على ألسنة الكثيرين، سواء كان الخطأ بالكلمات أو في المواقف، لكنها تبقى أخطاء حتى لو غُضَّ الطرف عنها. فهي غصة تبقى مرارتها في الحلق، تسد مجرى الكلام، فلا تعود قادرًا على النطق أو حتى التنفس. وكل ما تشعر به هو الألم داخل صدرك. فكل كلمة لم نقلها، وكل شعور لم نعبر عنه، يترك في إثره صرخات مختنقة داخل صدرنا. وتظل الدموع حائرة تحوم في عيوننا.

نبحث عن فضاء واسع، حيث لا أحد يسمع ولا أحد يرى، لتفريغ شحنات الصمت التي اختزلت آلام السنين. بينما كنت جالسة أتأمل في زاوية منسية من قلبي، والصمت يحيط بي من كل مكان، كان داخلي يعج بالصراخ. المشاعر متشابكة بين الهدوء والفوضى، لتصبح كخيوط معقدة لا يمكن فكها. انتابني شعور بالبكاء، لكن كبرياء الصمت يرفض الانصياع لهذه الرغبة، فعينيّ خائفتان من إعلان الاستسلام والهزيمة. الغيوم تتمخض داخل المقلتين لتبدأ بالانهمار، وكأنها قررت أن تمنحني لحظة الخلاص.

أدركت أن الصمت هو حالة من عناق الروح لنفسها، تهدف إلى تهدئة حالة الضجيج الداخلي. وأن البكاء ليس ضعفًا، بل حالة من القوة. فتحت نافذة مخيلتي على صحراء شاسعة، حيث لا شيء سوى الفضاء الواسع، كأنه قلب كبير يحتضنني، وصدر حنون يحتوي مشاعري، ويدعوني لتفريغ ما بداخلي ويتحمل صراخي.

رياح الصحراء الساخنة أخذت تضرب وجهي، توقظني من صمتي، وتطلب مني الصراخ لاستخراج ما بداخلي، كمن بلع لقمة وقفت في مجرى التنفس وحالت بينه وبين الهواء، فشعر بضيق في النفس.

أخذت نفسًا عميقًا لتمتلئ رئتَيَّ وصَدري بالهواء، وأتمكن من الصراخ بصوت عالٍ مدوٍ يمزق سكون صحرائي. كان الصدى يتردد في الفراغ ويتلاشى. فالصحراء تسمع، لكنها لا تتحدث. تتفهم، لكنها لا تصدر أحكامًا.

هذا ما نحتاج إليه جميعًا. نحتاج إلى من يسمعنا بصمت، بقلب مفتوح. عندما نتحدث عن همومنا، لا نحتاج إلى آراء أو أحكام أو حلول، بل نحتاج إلى نفوس رحبة وقلوب واسعة كاتساع الصحراء، لتفريغ الروح وتحريرها من قيود الهموم والألم. حتى ولو كانت صرخة، فإنها تعيدنا إلى توازننا.