آخر تحديث: 6 / 10 / 2024م - 1:38 م

سوق النشر السعودية... الملايين الضائعة!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

لعل واحدة من أهم القضايا التي يكشف عنها معرض الرياض الدولي للكتاب، باعتباره أكبر سوق للنشر العربي، هي الحاجة لدعم وتعزيز سوق النشر السعودية.

أصبح متاحاً اليوم أمام المؤلفين السعوديين تقديم مؤلفاتهم الأدبية والفكرية إلى دور نشر محلية تتولى نشر إنتاجهم الفكري، هذا يضمن للعديد منهم الحصول على عوائد كانت شبه معدومة من كتبهم التي تطبع في الخارج وتضيع مستحقاتهم المالية، جنباً إلى جنب مع الحقوق الفكرية، لكنّ المثير أن الحصّة الكبرى ما زالت تستحوذ عليها أسواق الطباعة العربية، فمع أن دار النشر سعودية إلا أنها في الغالب ليست سوى مكتبٍ لاستقبال الطلبات وتحويلها للخارج حيث تتم هناك العمليات الفنية والطباعة ثم التوزيع والشحن.

في معرض الكتاب، أبلغني أحد الناشرين أنه سلّم روائياً سعودياً عوائد مالية لا تقل عن مائة ألف ريال، وهو رقم يبدو كبيراً إذا ما قيس بالفتات الذي يحصل عليه المؤلفون المحليون من عوائد بيع كتبهم المطبوعة في الخارج. نعلمُ أن دور النشر العربية تواجه صعوبات بالغة، وتتحمل أجور الشحن المرتفعة، وهي أجور تأخذ حصتها من نصيب المؤلف.

اليوم أصبح أمامنا عدد لا بأس به من دور النشر السعودية التي تتولى كامل العملية في المملكة، هذا يوطن سوق النشر بل يصنع سوقاً حقيقية لا يقل حجمها عن 2,5 مليار دولار سنوياً.

لدينا أكثر من 520 دار نشر، لكن الأهم أن لدينا سوقاً متنامية في التأليف والنشر، والجمهور السعودي هو من أكثر الشعوب العربية اقتناء للكتب، وبحسب تقرير إحصائي نشرته مكتبة الملك فهد الوطنية على موقعها الإلكتروني، في ديسمبر «كانون الأول» 2022، يرصد حركة الإنتاج الفكري السعودي في عشرة أشهر فقط، من يناير «كانون الثاني» إلى 31 أكتوبر «تشرين الأول» 2022، فقد بلغت أوعية المعلومات التي منحت الرقم الدولي المعياري 7140 وعاءً معلوماتياً، منها 6067 كتاباً و410 كتيبات، و617 كتاباً إلكترونياً. فيما بلغ عدد شهادات الإيداع التي تم إصدارها 7393 شهادة إيداع، منها 3153 شهادة إيداع للكتب، و3633 رسالة جامعية و134 كتيباً، و69 مطبوعة دورية و351 مادة إلكترونية.

ومكتبة الملك فهد الوطنية هي الجهة المسؤولة عن تطبيق نظام الإيداع الوطني، وتقوم بجمع وتنظيم الإنتاج الفكري السعودي وتوثيقه والتعريف به ونشره وإصدار الببليوغرافيا الوطنية كل عام.

وحين نتحدث عن سوق النشر السعودية فإننا نتحدث أيضاً عن سوق دولية آخذة بالنمو حيث من المتوقع أن يبلغ معدل النمو السنوي لسوق النشر العالمية 3 في المائة على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهي صناعة عالمية تقدر قيمتها حالياً ب92,68 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 104,21 مليار دولار في 2025.

فيما تحقق الكتب الإلكترونية نسبة نمو تقترب من 12 في المائة سنوياً، وتسجل الكتب الصوتية نسبة النمو الأعلى بقيمة 24,4 في المائة، ما يمثل فرصاً تجارية واعدة للسوق السعودية.

لكنّ قيام سوق وازنة للنشر يتطلب الاهتمام بحركة التأليف والترجمة مع ما تتطلب من إطلاق العنان للإبداع وتشجيعه واحتضان المبدعين، وفتح آفاق جديدة أمام المؤلفين، بل الأهم أيضاً تحويل جمهور القراء بعددهم الكبير إلى منتجين للثقافة، وكذلك الاهتمام بالطباعة مع ما تتطلب من صناعة متكاملة تشمل التصحيح والتصميم والإخراج والطباعة التي ينبغي توطينها عبر تشجيع إنشاء المطابع وتوفير الكوادر الفنية، ثم النشر سواء الورقي أو الإلكتروني، مع تعزيز نظام التسجيل والتوثيق وضمان حقوق الملكية الفكرية، نحتاج كذلك للانتقال سريعاً لعالم النشر الإلكتروني وتعزيز موقعنا في صناعة صيغ رقمية وتقنيات نشر متقدمة، من بينها الكتب الإلكترونية، والكتب الصوتية، والطباعة عند الطلب، وطبعاً تحويل الكتب الورقية إلى كتب رقمية متوائمة مع أجهزة القراءة الإلكترونية، والمنصات العالمية للكتب الرقمية.

سوق النشر كبيرة ومتنامية، ومنافعها فكرية وابداعية، ومالية أيضاً، فهذه العوائد يمكنها أن تخدم الثقافة والاقتصاد معاً.