التسلط في البيت والمدرسة والعمل
القادة الناجحون في الإدارة هم الذين لا يمارسون التسلط، ولهم القدرة على إدارة النفس وتوجيهها قبل إدارة الآخرين، ومن لا يجيد الإمساك بزمام نفسه هو أشبه ما يكون بقائد السفينة في البحر الذي لا يحسن قيادتها، فيُغرقها ويُغرق كل من عليها إذا كان هذا الربان لا يملك المهارة والمعرفة الكافية لقيادتها.
التسلط تجده في البيت عندما تتسلط المرأة على الرجل ويضعف أمامها، تجده في المدرسة عندما يتسلط المعلم أو المعلمة على طالب يحضر متأخراً وغير مرتب في لباسه، ولا يحل واجباته، فيعاقب بأشد العقاب دون معرفة الأسباب التي قادته إلى ذلك، التسلط تجده عند بعض المدراء الذين لا يحملون أي مقومات الإدارة الناجحة باستخدام كل أنواع التطفيش والتهميش والتنكيد بالموظفين.
سؤال؛ عرف التسلط؟
كان هذا واجبا مدرسياً فرضته أستاذة على تلاميذها، أرادت من خلاله معرفة كل ما تم استيعابه خلال الفصل الدراسي، حتى إنها قامت بفرض عقوبة على كل من يتقاعس عن تأدية واجبه، باشرت بقراءة ملخص التلاميذ الممتازين الذين يجعلونها تشع بالفخر والراحة على كل ما تقدمه لهم، بينما تركت ملخصات المشاغبين للأخير، خصوصا ذلك التلميذ المهمل الذي يتأخر دوماً وكثيراً ما عرض نفسه للعقاب، تركت ورقته للأخير لدرجة أنها استغربت كونه أدى واجبه عكس ما توقعته، فتحت ورقته وباشرت في التقاط الكلمات، رغم أن النعاس قد تغلب عليها.
عرف التسلط؟
فأجاب التلميذ: رغم أنه لم تكن لي فرصة لحضور كل حصصك الصباحية، لكن سأخبرك عنه وعن ما يعنيه لي، التسلط بالنسبة لي هو: تلك المرأة التي جلبها لنا والدي لتحتل مكان والدتي بعد رحيلها، تلك السيدة التي يجبرنا على مناداتها بـ ”أمي“ لم تأخذ من والدتي اسمها فقط، بل حتى فراشها، وسادتها وكل ركن في بيتنا، أخذت كل شيء جميل تركته والدتي خلفها، غيرت الأثاث وطريقة ترتيب المنزل، أخذت مكان أمي على طاولة الطعام، أخذت منها الحق في طريقة ارتداء ثيابنا.
التسلط يا معلمتي هو: حين ألقت تلك المرأة بثياب أمي وأغراضها خارجاً، وقامت بإحراقها ساخرة من شكلها، كانت تقول إنها موضة قديمة، وأنها لا تفقه شيئا في الأناقة، لم تكن تعلم أن أمي كانت تشتري لنا ما نطلبه وتحرم نفسها، هي أخذت مكان أمي عنوة فهي لا تستحقه، هي لا تدرك أنها كانت تضحي بأغلى ما تملك من أجل سعادتنا.
التسلط يا معلمتي هو: قمع تربية والدتنا لتربينا على طريقتها، تجبرنا على الأعمال الشاقة، تطردني إلى الشارع لأعمل بعد أن تحولت خزينة والدي لخدمتها هي فقط، بينما تجبر أختي على أعمال البيت رغم صغر سنها، التسلط حين تصرخ في وجوهنا، تعاقبنا، تضربنا دون سبب، دون ذنب يذكر، قتلت براءتنا، قتلت طموحنا في الدراسة، فهي لم تكلف نفسها يوما إيقاظنا لنصل باكراً لمدرستنا، لم تهتم يوما برغباتنا، لم تسألنا يوما أننا تناولنا طعامنا أم لا، حتى إنها كثيراً ما عاقبتنا بحرماننا منه.
هل أدركت الآن يا سيدتي لماذا كنت أتأخر؟، لماذا لا أنجز واجباتي؟، لماذا ثيابي غير مرتبة؟، لماذا لا أملك نصف أدواتي!؟ لأن التسلط الذي تسألين عنه يعيش في بيتنا..!! ثم قال لها: أنتِ ماذا فعلت؟ أنتِ الشخص الذي ظننته يقف في صفنا لكنك لم تفعلي، أنتِ وقفت ضدي ولم تحاولي الاستماع لي مطلقاً، أو حتى سؤالي منفرداً، لطالما استمتعتِ بإحراجي أمام الكل في الفصل، أظنك تعرفين الآن من أنتِ بالنسبة للتسلط دون أن أشرح لك أكثر...
أعلم أنك ستعاقبينني أيضا بعد كل هذا، ولن أهتم فقد تعودت على كل أنواع العقوبات، لكني أود إخبارك أمراً هاماً وهو: أن الأقوياء وحدهم يقفون أمام التسلط، لكن الضعفاء لا يتحررون، بل ينتقلون من متسلط واحد إلى متسلطين آخرين يعيشون في هذا المجتمع، صحيح أني سأكبر يوما ما وأصبح أقوى، لكن حتى وإن حصل ذلك يا معلمتي سيظل هذا الماضي يستحوذ على مستقبلي، وستظلين أنتِ وهي وهو وهم تاريخًا متسلطاً أُدَرِسَهُ لأبنائي.
ختاماً: حينما يضعف الرجل أمام كيد المرأة التي جلبها إلى بيته لتحتل مكان زوجته الأولى بعد رحيلها، وتتسلط في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي بالتالي تعتدي على حقوق الآخرين، وحينما يمارس التسلط في المدرسة فضحاياه ربما طلاب قست عليهم الحياة، وحينما يمارس التسلط في العمل فنتائجه مؤلمة وقاسية على الموظفين، فالقادة الناجحون في الإدارة هم الذين لا يمارسون التسلط بأشكاله المختلفة.