آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

بين عُمْقَين

كمال بن علي آل محسن *

نبحث عن مشاعرنا في دواخلنا، وتتراءى لنا في قلوبنا وعقولنا، سيالات عصبية تنقلها كرسائل من القلب إلى العقل ومن العقل إلى القلب، بعض المشاعر عمقها طافٍ على السطح، وبعضها غائر في القلب، تستحضرها ذكرياتنا وتستدعيها، وما كان منها مغلف بالفرحة ولجت إلى قلوبنا السعادة والحبور، أما ما كان منها مغلف بحبر أحمر فإن النزف يغطي الصورة والمشهد، ويزداد كلما كان الجرح أعمق؛ عندها تكون قلوبنا مغطاة بالسواد المؤلم، ويخالط ذلك السواء الحزن بدرجاته بدءًا منه وانتهاءً بدرجة البث وهي أعلى درجاته وأقساها.

الحب كلمة غاية في الجمال تكسب صاحبها قيمة كبيرة لحياته، وتمنحه صفة العطاء دون توقف، العطاء بسعادة ورغبة، ومع مرور الزمن وتعاقب الأيام يزداد الحب عمقًا ويزداد معه العطاء، وهذا الدرب في جانبيه الزهور بألوانها المتنوعة التي تسر الناظرين، درب صنعناه بقلوبنا وعقولنا على مدار حقبة زمنية تزيد أو تنقص.

من صفات الحب إن استمر ازداد عمقًا وغورًا، وهذا العمق سلاح ذو اتجاهين، فإما أن يوصلك إلى الفرح إن كان من تحب يبادلك المشاعر نفسها والعطاء نفسه، وإما أن يوصلك إلى الترح إن كان من تحب لا تعنيه تلك المشاعر، وإنما المصلحة في الحصول على ما يريد، وبمجرد انتهاء تلك المصلحة ينتهي كل شيء، وهنا يبدأ الجرح في التكون شيئًا فشيئًا، ويزداد عمقًا فلا يُعرف له قاع، جرح غذاؤه الهم والندم، ويظل يكبر وينمو ما دمنا نطعمه، ولا يوقف كبر حجمه إلا منع الغذاء عنه؛ حينها سيصغر شيئًا فشيئًا حتى يتلاشى.

هذا الجرح لم يكن ليحدث لو أننا بذلنا بعض الجهد في التأكد من أن الطرف الآخر يبادلنا نفس مشاعر الحب، نحب وننطلق في مراحل الحب دونما انتباه لذلك الآخر الذي أحببناه وقدمنا له كل ما نستطيع في سبيل بقاء ذلك الحب ونمائه، مع أننا كنا نمتلك القدرة على اتخاذ خطوة وعمل اختبار لمن نحب، وكلما نجحنا معه في مرحلة انتقلنا إلى مرحلة جديدة؛ فنكون بذلك الإجراء قد ضمنا لأنفسنا طريقًا للعودة بأقل خسائر، وتكون معالجة الجرح ممكنة والبرء منه سريعًا.

العلاقة بين هذين العمقين، عمق الحب وعمق الجرح، علاقة طردية بامتياز، فإن زاد عمق الحب زاد عمق الجرح، وإن قل عمق الحب قل عمق الجرح، ونحن من نختار، فإما التروي والتأكد ويكون ذلك ضروريًّا وفي كل مرحلة، وإما التهور بأن نترك القلب دون توأمه العقل، فَنَجُرَّ أنفسنا إلى الوجع والألم وبالتالي الحزن إلى أن نصل إلى البث والذي - ربما - يستمر معنا إلى نهاية حياتنا.