إنجاز الهدى: ترويض حزن أم رفع عتاب؟
على أثر فوز نادي الهدى بكأس السوبر السعودي، قبل بضعة أيام، تناقل عشاق الوردي مقاطع كثيرة من المباراة الختامية التي ربحها الهدى بضربات الترجيح. توالت قصائد ومقالات وكتابات من أبناء جزيرة تاروت ومن نواحي القطيف وخارجها، كلها تشيد بهذا الإنجاز. وأيضًا فيديوهات رصدت مشاهد فرحة الجماهير سواء في الملعب أو من أمام قلعة تاروت وكذا في الديوانيات على اختلاف مرتاديها.
اللافت للنظر وسط هذه الفرحة بمختلف لحظاتها وتجلياتها، ثمة شخصيات رياضية تاروتية منسية ربما لا يعرف جيل اليوم عنها البتة، وخصوصًا المؤسسين الفعليين لكيان نادي الهدى، الذين أنفقوا الوقت والمال والجهد، وقاتلوا واستماتوا وتخاصموا فيما بينهم من أجل ثبات وتعزيز قدرات الشباب ورفع مكانة النادي عاليًا بمختلف الأنشطة وتنوع الألعاب. هؤلاء حينما تناهى إلى سمعهم خبر فوز الهدى عبّروا عن فرحتهم بطرق مختلفة من تأليف قصائد وتسجيل كلمات ونثر التهاني والتبريكات كتابيًا وشفهيًا، وكأن جذوة اشتغالهم بالنادي لم تزل على حالها.
هل الفوز أيقظهم من سبات النسيان؟ ما هذا الشعور وكيف تفتق؟ أهو حنين لأيام الصبا وزهوة الشباب التي انطفأت جذوتها، أم هو انتماء للنادي واستحضار الأيام الخوالي، أم هو انجذاب تلقائي لكل ما يمس البلد وحراك أبنائه من إنجاز لم يرد في الأذهان وحتى لو جاء من بوابة الرياضة؟
الرياضة.. قوة ناعمة
مما لا شك فيه بأن صورة الرياضة في كل مكان أكبر صدى من الثقافة ورموزها ومن السياسة وألاعيبها وحتى من الفنون ورقيها، هذا أمر بات جليًا سواء اتفقنا أم اختلفنا، هذا هو الواقع. دول حين تسمع باسمها حتى لو تعلق الأمر بشأن اقتصادي أو علمي، مباشرة ترتسم في المخيلة كرة القدم، وهذا ينطبق كمثال لا الحصر على البرازيل والأرجنتين وهما يحتلان ثلاثة أرباع قارة أمريكا اللاتينية مساحة، يختصران في سحر اللعبة، نتيجة إنجازات فوزهم بالبطولات ورنين أشهر لاعبيهم الذين غطوا على أدباء وشعراء هاتين الدولتين.
وأيضًا هناك جزر لم يسمع بها أحد قابعة في البحر الكاريبي أو قرية باكستانية مغمورة لا ترى على الخريطة، بفعل شخص واحد فاز بميدالية ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية يصيح المكان الذي ينتمي إليه مشهورًا على مستوى العالم.
إذاً الرياضة بجميع ألعابها وصنوفها، بحالات الانتصار هي تواصل بين الناس في الشرق والغرب وفي نفس الوقت تعريف بالأمكنة المنزوية وحتى المعروفة منها تزادد شهرة على شهرة. ولا ننسى بأن حضارتي الإغريق والرومان بجانب اهتمامهما بالفنون والفكر والفلسفة والعمارة اهتموا أيضًا بالرياضة، إذاً الرياضة بمفهومها الأوسع لها الحظوة عند الأمم وهي قوة ناعمة.
تاروت.. هوية مشوشة
على أثر هذه الأمثلة تناقل الكثيرون مؤخرًا اسم جزيرة تاروت عبر الصحف الإلكترونية القديمة والمحدثة من خلال فوز نادي الهدى، موضحين عبر سطورهم مكانة الجزيرة تاريخيًا وحضاريًا والمسافة المقدرة بينها وبين القطيف من 5 إلى 6 كيلو، معددين جمال البحر واشتقاقات الاسم، والمدهش هناك استفسارات في عالم التواصل الاجتماعي أين تقع هذه الجزيرة المسماة تاروت!
يعيدنا هذا التساؤل لمشهد قديم تردد صداه عبر برنامج مسابقات ثقافي فني عرضه التلفزيون السعودي من داخل إحدى استديوهاته عام 1980 م، حيث وجه المذيع ماجد الشبل لأحد الفريقين السؤال التالي: أين تقع جزيرة تاروت؟ واضعًا لهم 3 احتمالات: 1- المملكة العربية السعودية، 2- المحيط الأطلسي 3- المحيط الهادي، بعد التشاور جاء الجواب بصوت جهوري مليء بالثقة: تقع في المحيط الأطلسي، وبخفة دم المذيع متهكمًا: وين يا شباب في شمال المحيط أم في جنوبه؟ اختاروا إحدى الجهتين، وأكمل المذيع وهو يميل برأسه يمنة ويسرى، وين ذهبتوا، وين غربتوا للبعيد، هنا عندكم قريب! وبمجرد أن قال لهم تقع في المملكة العربية السعودية شرق القطيف، تعجب الفريقان، وبعضهم انفجر ضاحكًا، وأما الحضور فقد رصدتهم الكاميرا وهم يتهامسون فيما بينهم تعجبًا!
كان ذاك المشهد في زمن بعيد، قد تلتمس حينها العذر لأن مملكتنا الحبيبة مترامية الأطراف، فمن الصعب أن تحفظها قرية قرية وبلدة بلدة، لكن أن يحدث هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي في هذا العصر من خلط بين الهدى وانتسابه لخارج الجزيرة هنا الأمر يرسم علامات التعجب.
هل حسم الجدل حول اسم النادي؟
هي إشكالية متجددة. فقد بعث لي الأخ الأستاذ أسعد القلاف برسالة من خلال متابعته لما بعد فوز نادي الهدى بالبطولة عبر رسالة نصية: «كثير من المعلقين السعوديين على النتائج الرياضية في تويتر واليوتيوب وغيرهما يعتقدون بأن نادي الهدى «الهدا» كما يكتبوه هو نادي ينتمي إلى محافظة الطائف كون الطائف بها منطقتين وهما: الهدا والشفا»!
نعم شهرة جبال الهدا في الطائف سيطرت على المكان الذي ينتمي إليه نادي الهدى، هذا يحدث حاليًا ويتكرر عند البعيدين، إذاً ما حال القريبين الذين أرادوا تغيير الاسم بسبب هذا الاشتباه، وما بين تلك الظنون ثمة ذكرى حاضرة في أذهان جيل السبعينات من أبناء النادي حين تغلب فريق كرة القدم الأول لنادي الهدى على فريق الربيع بنتيجة 3-2 في جدة ضمن تصفيات كأس الملك خالد عام 1978 م كتبت جريدة عكاظ «الربيع يتدحرج من الهدى».
تحول هذا الإشكال من حالته المجازية إلى محاولات طرح فكرة تغيير الاسم، حيث ذهبت بعض من جماهير الوردي للمطالبة بتغيير الاسم، وسادت حالة شد وجذب والتي حدثت قبل ثلاث سنوات بين المرحبين والرافضين، تم توضيح لفظة اسم الهدى بضم الهاء، لكن خفف الاسم مع مرور الزمن بفتح الهاء، وقد كتبت مقالين سابقًا حول الإشكال بسرد تاريخ مفصل: الأول بعنوان: «نادي الهدى اشكالية اسم أم هوية مكان 2021/2/4 م» والثاني بعنوان: «الهدى اسم وحكاية 2021/2/9».
لكن الموضوع لم يحسمه المقالين المذكورين بل كلمة الفصل كانت الاحتكام بواسطة الاستفتاء الذي حسم الموقف والذي جاء بأغلبية ساحقة مع بقاء الاسم دون تغيير.
والآن وبعد أن رفع اسم الهدى عاليًا بأول إنجاز كروي في لعبة تعد الثانية شعبيًا بعد كرة القدم، نقش الاسم في أذهان القاصي والداني والمدون والكاتب والشاعر، أصبح الاسم علمًا كشموخ جبال غرب المملكة إلى المكان الفعلي موطن النادي في شرقها في أحضان قلعة تاروت الشامخة منذ أزمان، وبين الشموخين وسمعة المكانين، أرخى بظله على المدونين على اختلاف مشاربهم فراحوا يتنبهون لذلك بل بدؤوا يتغنون بمكانة الجزيرة تاريخيًا على أثر فوز الهدى وكأن الإنجاز صحح مفاهيم هوية النادي وارتباطه بمكانه الغعلي.
من شكر الرجال؟
بالمقابل نفض الفوز غبار العتاب عمن شاخوا وأصبحوا كهولًا وشيوخًا ولم يلتفت لهم أحد حتى ببطاقة عرفان وتحية شكر، قد يكون ابتعادهم الطوعي عن كيان النادي كمقر ولكنهم قريبون منه ككيان، هل فرحة الإنجاز روضت حزنهم، أم لا زالوا غرباء في نظر الأحفاد؟
أظن لو أتى أي واحد من المؤسسين القدامى ودخل نادي الهدى حاليًا فلن يعرفه أحد من جيل اليوم. حريٌّ بإدارة النادي أن تلتفت لرجالات النادي السابقين، وخصوصًا رموزه المؤثرة، وذلك بإقامة حفل تكريمي لهؤلاء المنسيين.
والشيء بالشيء يذكر، أُقدِّم تحية لنادي الخليج الذي احتفى قبل خمس سنوات بطائفة من أبناء دانة سيهات، مستذكرًا مكانتهم التي سطروها بأحرف من نور من أجل النادي ومكانة سيهات. وللمعلومية، هو النادي الوحيد من بين أندية القطيف الذي قام بهذا الحفل التكريمي الشامل لكل اللاعبين والإداريين السابقين والفنانين التشكيليين والكتاب والأدباء والممثلين. ومن حسن حظ كاتب السطور كان ضمن المدعوين وشهد الحفل كاملًا.
هل ستسير أنديتنا على نهج نادي الخليج بإقامة حفل تكريمي على الأقل يليق برموزها الرياضية التي قدمت الكثير في خدمة شباب كل نادي من محافظتنا العزيزة؟
وحتى أكون منصفًا، كرَّم نادي الهدى عام 2001 رؤساء الأندية السابقين فقط بمناسبة مرور 25 سنة على تأسيسه، مستحضرًا إنجازات النادي الرياضية مع إصدار كتاب توثيقي خلال مسيرة ربع قرن على تأسيسه. وأيضًا قدَّم أثناء الحفل استعراضًا رياضيًا منوعًا، كان ذلك بحضور وكيل إمارة المنطقة الشرقية سعد العثمان، وبالمناسبة كان المكان أمام قلعة تاروت!
لكن في هذه الاحتفالية لم يكن نصيب لأعضاء مجالس الإدارات السابقة، وخلت أيضًا من تكريم المؤسسين الفعليين. وأظن هذا ليس عمدًا، ربما سهوًا أو لاحتمال محدودية وقت الاحتفال.
على كل حال، هل نشهد في القادم من الأيام احتفالًا مغايرًا يتوج كل الجهود بين ماض وحاضر؟ نتمنى ذلك.
فرحة ممزوجة بالحزن
لم تزل أصداء فوز الوردي تتوالى منذ ليلة إحرازه كأس البطولة وإلى حد كتابة هذه السطور، عزف منوع قوامه الشعر والكلمات الراقية والمقالات الاحتفائية، منثورة بترحاب، تحايا حب للأبطال، للاعبين، وللمدرب، والجهاز الفني، وللإدارة الجديدة، ممزوجة برموز المكان.
بينما كنت مسترسلًا في كتابة الجزء الأخير من هذه المقالة، رحت لا إراديًا أتصفح جديد رنات رسائل الواتس، وإذا بثلاثة فيديوهات تأتيني تباعًا من قروبات جماعية مختلفة وأخرى شخصية.
أسعدني الأول والثاني، وأحزنني الثالث. الفيديو الأول من تأليف وإلقاء المعلق الرياضي الأستاذ زهير الضامن عبر كلمة عنوانها «صناعة الانتصار»، يقدم التبريكات ملونة باريج الورد الفواح، يتغنى بفوز الوردي مخاطبًا تاريخ عشتار وكأنها حاضرة أمامه تسمع ما يقول، ومطالبًا الفنانين التشكيليين بعمل فني باستلهام هذا الفوز التاريخي والثمين، معددًا الأسماء بعينها.
أما الفيديو الثاني، قصيدة للشاعر الأستاذ علي المصطفى بصوته، بعنوان ”تاروت ونادي الهدى“، صور مفعمة بالفرح والفخر، وأبيات طربية كعادة أسلوبه الغنائي المليء بالشجن والترنُّم بأمجاد تراثية وحضارية.
فيديوهان بمثابة مكافأة إلى اللاعبين وعلو كعبهم بتحقيق هذا الإنجاز غير المسبوق من عمر النادي.
أما الفيديو الثالث مدته دقيقة و 8 ثوانٍ، ظاهره فرح في فرح، وقد عقب عليه الأخوة الأعزاء في «القروبات» بإشادات جميلة، لكني شخصيًّا حينما شاهدته تملكني الحزن واغرورقت عيناي بالدمع!
الفيديو عبارة عن مقابلة قصيرة للأخوين آل حماد، محمد وعلي ناصر، ابني أخت الشيخ غالب حماد، والمكان ديوانية الزعيم للكابتن علي سعيد مرار - بالقديح. تحدث الأخ الأصغر من بعد كلمة أخيه قائلًا: «نبارك للقطيف عامة ولجزيرة تاروت خاصة وإلى محبي وعاشقي هذا الكيان العريق، وشكرًا جزيلًا لكم وشكرًا للإدارة الحالية والسابقة»، المشاهد للفيديو سيدرك حجم السعادة الغامرة التي تشع من عيني أبي جلال النابعة من قلبه المحب للوردي ولتاروت، والذي أجرى المقابلة ذاته، صاحب الديوانية، عبر جواله وهو يقول لهما «أنا كنت أتمنى أشوف فرحتكم»،
يجيبه أبو جلال: «والله كنت أبكي أنا، 40 سنة تاروت ما فرحت، وليلة الأحد كلها وردية، الله يوفق الوردي، إن شاء الله، هذا فكر بطولات، وإن شاء الله القادم أحسن وأحسن، الله يوفق الإدارة، ويوفق أحمد جميل واللاعبين والإداريين والسابقين لهم، أبو أحمد - وصفي البصارة - والجماعة كلهم والمشجعين».
بين الفرح والحزن: قصة أبو جلال
بهذه الكلمات العفوية الصادقة المفرحة رحت أبكي لا شعوريًّا متسائلًا: ألهذه الدرجة إنجاز في بطولة رياضية روَّض الحزن في قلبه؟! تتلخص الحكاية المفرحة المبكية في آنٍ واحد في الآتي، معروف بأن الأخ محمد منصور حماد «أبو جلال» من أكبر المشجعين سنًّا بعد الأخ حسين قيس، يحضر جميع مباريات الوردي لكرة اليد خلال المواسم الثلاث، وكان يرافقه دائمًا ابنه حسين، وقبل الخروج من البيت والتوجه للمباراة يجبر الابن أباه على لبس ثوب أنيق وهو الذي يقوم بتشخيصه للغترة والعقال، وينفعل الأب قليلًا ”ويش شايفيني...“ يرد الابن بكل هدوء ”كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس“، يرد الأب راضيًا بابتسامة «طيب يا حبيبي، مشينا توكلنا على الله»، يقول الابن لأبيه: «شوف شخصيتك في المنظرة كأنك معرس»، ويرد عليه الأب «يالله يا قمر».
يذهبان معًا ويتجاوران جلوسًا على المدرجات، يهتفان، ينفعلان، تتبدل مشاعرهما بين فوز وخسارة، مرات ومرات يتشاطران التعليق والتشجيع، ويتقاسمان الدعوات والأماني. لفَّ الابن شيء من اليأس خصوصًا بعد توالي خسارات الوردي لأربع نهائيات متتالية، وكان آخرها نهاية الموسم الرياضي الفائت، قال حسين بأمنية مشوبة بالحسرة: «متى يا يبا نشوف نادينا يحمل بطولة؟»، قال الأب لابنه: «لا يهمك يا ولدي، صبرًا جميلًا وبالله المستعان، يبيجي يوم بنعيش الفرح وياك وباذكرك وبنذوق طعم الفوز، البطولة جاية جاية بإذن الله»!
كم هي الأماني المعلقة، وكم هي الأحلام المرتقبة، والآمال المؤجلة، لكن خلسةً في يوم 3 أغسطس 2024 يد المنون تطفئ شمعة الشاب حسين حماد، تاركًا أباه في حزن عميق، رحيل موجع مدمر للنفس، ليس لفقد ابن عزيز على قلب أبيه فحسب، بل لصديق حميم كان قريبًا من أبيه أكثر من إخوته، يرافقه دائمًا لجميع مباريات الوردي وأيضًا في المناسبات الاجتماعية. لم يمضِ 40 يومًا على رحيل الشاب وإذا بالهدى يحقق بطولة السوبر، بكى محمد من شدة الفرح، كان يتمنى أن يتشاطر الفرح مع ابنه حسين الذي وعده بالفوز بالبطولة مؤكدًا له بطمأنينة «البطولة جاية جاية»، أتت ولكن العزيز الغالي رحل عنه قبل شهر، وكأني بابن بنت عم والدتي، أبي جلال، يفتش عن ابنه وسط الجموع المحتفلة ليخبره بالفرح أمام قلعة تاروت، وينشد حاله عبر شجن أغنية حميد منصور:
«رد حبيبي وشوف.. رد حبيبي وشوف ديرتنا الفرح بيها كبر، مرنا نتلقاك نجمة شوق يا أحلى قمر، مرنا شوف قلوب بتنبض حنين، مرنا وليالي الفرح تكبر سنين...» ما أعجب الفرح الجماعي! أهو سلوى للفاقدين، أم هو ترويض للحزن الدفين؟
الفرح.. هوية إنسانية
من شاهد الفرح بأم عينه ينسى كل شيء، ينسى آلامه، ينسى أوجاعه، ينسى أحزانه. يقول المتيم بعشق الوردي الأستاذ طاهر عبدالله الأمين: «ليلة فوز النادي، ما مرت عليّ فرحة مثلها، جاوزت يوم فرحة تخرجي ويوم فرحتي بعرسي، من كثر الصراخ والتشجيع في الملعب وأمام قصر تاروت فقدت صوتي لمدة أربعة أيام، حضرت المباراة مع عائلتي كلها، وليلتها ما نمنا إلا الصباح، أولادي غابوا عن المدرسة وطلاب واجد ما راحوا المدرسة».
وأكمل بأن مشهدًا أثر فيه كثيرًا أثناء لحظات تتويج الهدى: «لو شفت منظر حسين قيس في الملعب، هذا الإنسان المتولع بالوردي واللي وصل عمره 73 سنة كان يبكي بكاء زي الأطفال من شدة الفرح، هذا أبو عدنان يا سادة، وغيره وغيره، والله فعلًا أهل تاروت طلعوا على حقيقتهم، فرحة ما تتعوض بكنوز الدنيا»!
أبو عدنان، المولع حبًّا منذ بواكير حياته لاعبًا في نادي النصر بتاروت ثم الهدى لاعبًا أساسيًّا، وأيضًا كان عضو مجلس إدارة، ولم يكل ولم يمل من حضور وتشجيع ومساندة الوردي. ماذا قال للكابتن محمد جميل وكررها مرارًا أمامه؟ «يا محمد، أبغى بطولة قبل لا أموت»، يرد عليه محمد بابتسامة عريضة وتربيت على أكتافه، «إن شاء الله يا طويل العمر بنشيل بطولة»!
أثناء إعلان الحكم صافرة النهاية بفوز الهدى، رصدته الكاميرات وهو يبكي بكاء مثل طفل أُعطي لعبة كان يحلم بها طويلًا وأخيرًا تحققت أمام عينيه!
هو الفرح النابض بالقلوب، هو الفرح الفائض محبةً للناس. كم من الإعلانات لمحلات ملابس ومتاجر ومطاعم أعلنت عن خفض أسعار بضاعتها بنسب متفاوتة، تعبيرًا عن هذا الإنجاز الرياضي الذي تشهده أرض تاروت لأول مرة عبر لعبة جماعية.
بكل هذه التوصيفات والشهادات، يظل الإنسان كائنًا اجتماعيًا بطبعه، يعيش روح الجماعة، يحزن لحزنها ويفرح لفرحها، ويحن لمرابع أحبابه وناسه.
بين العتاب والتكريم
أخيرًا، أتمنى أن تلتفت إدارة نادي الهدى الحالية وهي في أوج فرحتها الكبرى بتكريم الرجال الذين ضحوا بالغالي والنفيس، وأن لا تظل حالة الجفاء مستمرة، وأن لا يتم بتكريم عابر والسلام، وإن كان هذا مهمًّا بحد ذاته، لكن هناك ما هو أبعد من ذلك، عبر كتاب جديد غير الذي صدر قبل 25 عامًا، كتاب آخر مصور يوثق ويرصد تلك الوجوه المؤثرة التي لعبت أدوارًا حاسمة في مسيرة النادي، وأيضًا عبر لوحة شرفية تبين الإدارات المتعاقبة بذكر التواريخ مع صورهم الشخصية، تُعلَّق على جدران صالة النادي ليراها جيل اليوم والأجيال القادمة، وكذا صور الأبطال الذين حققوا الإنجاز، ليستمدوا منهم العزم والإصرار لمواصلة المشوار.
هل فرحة الإنجاز مسحت عتاب المؤسسين؟
يا فرح يا ماسح الأحزان قد أبلغت الوصال.