آخر تحديث: 19 / 9 / 2024م - 5:33 م

القراءة وغسل الملابس

يوسف أحمد الحسن * صحيفة الجريدة الكويتية

راقني جدًّا تعليق قصير في منصة X لإحدى ربات البيوت كتبته تحت صورة لكتاب مفتوح تظهر فيها غسالة ملابس: ”حتى وقت الغسيل أقرأ.. هذا حالي كأم“. فحتى لو اعتبرها البعض نوعًا من التفاخر بالقراءة، فيا لَجمال هذا النوع من التفاخر في زمان يفتخر بعضهم بأتفه الأمور وبما لا ينجزه وما لا يستحقه. راقني جدًّا بنفس القدر الذي يسوؤني فيه التفاخر بسيارة جديدة أو بجهاز ذكي جديد أو كوب قهوة في ماركة شهيرة بسعر مرتفع.

ويذكرني هذا الموقف بما قاله الروائي الإندونيسي أندريا هيراتا: قرأتُ أعدادًا هائلة من الكتب، وبقدر ما أتيح لي. قرأت وأنا أفرز الرسائل، وأنا آكل، وأنا مستلقٍ في سريري أستمع إلى قصص وايانغ الإذاعية. قرأت الكتب وأنا في شاحنة النقل الصغيرة العامة، قرأتها وأنا في العربات التي تجرها الدراجات، وأنا في المرحاض، وأنا أغسل ثيابي، وأنا أمشي، قرأتها والزبائن يصيحون علي، قرأتها ومديري يوجه لي إهانات مبطنة، وخلال مراسم تحية العلم. ولو يستطيع البشر أن يقرؤوا وهم نيام لفعلت ذلك بالتأكيد. جاءت أوقات أقرأ فيها وأنا ألعب كرة القدم، بل قرأت حتى وأنا أقرأ.

كم يعجبني كيفية استثمار أوقاته فيما ينفع! وهل هناك ما هو أفضل من الاستثمار في الوقت عملًا وجهدًا وتزودًا بالعلم والمعرفة؟

لكن الروائية الإنجليزية أغاثا كريستي (1890-1976) - التي كتبت 66 رواية بوليسية وسميت ملكة الجريمة - ربما تفوقت على ربة البيت المذكورة أعلاه بحديثها عن تأثير الغسل عليها حين قالت: حبكات رواياتي البوليسية أهتدي إليها وأنا أغسل الصحون، لأن هذا العمل الغبي يدفعك لاإراديًّا للتفكير في القتل.

لكننا يمكننا أن ننظر إلى الجانب المضيء من القمر؛ بأن نستثمر تلك الأوقات المهدورة، حين غسل الملابس أو الصحون، في أمور مفيدة؛ كأن نستمع إلى كتاب صوتي مثلًا. ولمَ لا؟ فالعمر قصير، وأعداد الكتب في العالم كثيرة لدرجة لن نستطيع أن نقرأ ولو نسبة ضئيلة منها.

”مهما بلغت درجة انشغالك فلا بد أن تجد وقتاً للقراءة.. وإن لم تفعل فقد سلمت نفسك للجهل بمحض إرادتك“. - كونفوشيوس.