الهدى: ألوان فرح وأصوات تصدح
أخيرًا يبتسم الحظ للهدى بعد صراع مرير مع مجابهة أباطرة اللعبة، ظفر بالإنجاز ليلة البارحة وخطف بطولة كأس السوبر السعودي لكرة اليد. فرحة عارمة منقطعة النظير لجماهير الوردي التي حلمت وحلمت وشجعت وبح صوتها للظفر ببطولة ربما طال انتظارها، ولكن الانتظار أثمر وتحقق الحلم الذي كان عصيًا لترجمته واقعًا ملموسًا. فقد حدث ما حدث ليلة البارحة بعد مباراة ماراثونية ودراماتيكية ومتقلبة بلاعبيها من حال إلى حال، أخيرًا تبسم الحظ للوردي وخطفت أيدي الهدى كأس البطولة لأول مرة في تاريخه منذ أن تأسس، نيل بطولة أتت بعد معاناة ومجافاة ومكابدات وصبر.
فقبل أربع سنوات كانت العيون مصوبة بجدية لتأسيس فريق قادر على المنافسة في لعبة كرة اليد، والنوايا تصبو بعزم لتجاوز المحاولات المستمية التي تولدت قبل سنوات وسنوات بمسارعة الخطى حثيثًا، ولكن كم تخطيط تعثر، ويعاد التفكير ثانية وعاشرة ويبدأ العمل من جديد برؤية مغايرة وزوايا مختلفة.
خلال ذلك الخضم ثمة أصوات تعالت وجدالات احتدمت وصراع بين المتفائلين وبين المتشائلين، بخطة مدروسة للخروج من دائرة إكمال عدد في سلم الدوري، وبدأ الصعود شيئًا فشيئًا للتقدم درجات في الترتيب، وثمة أفاريج تحدو الصبورين وعلى رأسهم المغامرين الذين كانوا في الجسارة أبعد، وكان لهم ما أرادوا في تكوين فرقة لا ترضى إلا بمقارعة الأبطال.
سادت الثقة خلال ثلاث سنين خلت، وتوالت الانتصارات وتعشم الجمع بأن شيئًا إيجابيًا سيحدث مع اقتراب اللعب على النهائي في أكثر من مرة، لكن الحظ عاند الهدى في مناسبات عدة، إخفاق في نيل كأس النخبة مرتين والألعاب السعودية مرة وخسارة الدوري المنصرم الذي كان الهدى قاب قوسين بالظفر به، وتسود حالة القيل والقال ولكن بريق الرضا مسكون في النفوس الطموحة التي ترى الحلم مثل قمر منير خلف الغمام، نحن بحاجة لتعزيز الفرقة أكثر وأكثر أسوة بالمتسيد لهذا العام.
يكبر التحدي ويتشكل الإصرار على إزاحة المنافس القوي الذي لا يشق له غبار. وتنجلي الغبرة في ليلة تأرجح فيها اللا نصر بالنصر حيث كانت الأمور سائرة لتتويج المنافس بتجهيز المنصة له فوزًا واحتفالًا لكن تنقلب الأمور رأسًا على عقب، الوصافة الذي مل منها الهدى مرارًا أزاحها فأصبح هو البطل، بل سيد الأبطال، إن تخطف الكأس من المتربع على اللعبة تاريخيًا وحاليًا ليس بالأمر السهل، إن تجابه أمواج الخليج العاتية وتتجاوزه بفن ومهارة فهو النصر المضاعف.
هنيئًا لكل من سعى وخطط وسهر وتكلم وتحدث وثابر وصبر لأن يكون للهدى شأن في عالم كرة اليد على مستوى الوطن، وهنيئًا للاعبين فردًا فردًا على ثباتهم وحسن مهارتهم وروعة تصويبهم خصوصًا في اللحظات الأخيرة، وأقول شعبيًا ”ياهي برودة أعصاب وحبس للأنفاس“.
لقد تولد الإنجاز كنور شمس صباح، بريق ضياء رسم الفرحة بعلامة كاملة ”الهدى يتوج بكأس السوبر السعودي لكرة اليد لعام 2024“. زفت التهاني من محافظ القطيف الأستاذ إبراهيم بن محمد الخريف، مرورًا بالأستاذ فاضل النمر رئيس الاتحاد السعودي لكرة اليد، وكذا المعلق المتألق الأخ زهير الضامن الذي صال وجال في التعليق بملء السليقة بتفاعل مضطرد وبكلمات تتماهى مع احتفالية النصر، واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالتبريكات من كل حدب وصوب، وتفتقت قرائح الشعر، هذا الشاعر يتغنى بأمجاد تاروت وذاك يتجلى روعة بتأطير الفرح كباقات ورود بنفسجية ووردية، فالف شكر لجماهير الوردي الوفية المتفانية التي لم تكل ولم تمل برغم الإخفاقات المتتالية للظفر بإنجاز ما، هي الجماهير الصابرة الصبورة المتعطشة الساعية لتحفيز الوردي أينما حل وذهب، دعمته بحماسها وباهازيج فنون التشجيع هي المساندة له في كل مباراة.
هي جزء كبير من صناعة النصر بحالة اندماج مع جهود اللاعبين المؤثرة في الميدان، ومن خلفهم إدارة جديدة صار مقدمها فال خير على الجميع، وإحقاقًا للحق الإدارة السابقة وعلى رأسها الأستاذ وصفي البصارة قدمت كل ما بوسعها لصناعة الفريق ويسرت كل الأمور ليكون الهدى ليس في الدوري الممتاز فحسب بل منافسًا في عالم الكبار.
ما أحلى روح الإيثار لأناس يدعمون النادي في الخفاء ماديًا ومعنويًا ومعروفون لدى أبناء المجتمع التاروتي. شكرًا شكرًا من الأعماق لجماهير الوردي الذي بثت الحماس في عروق اللاعبين وكأنها الرقم واحد في سير المباراة، جهود مباركة لفرقة متكاملة صنعها المخلصون من أبناء النادي.
ما أعجب الجماهير ليلة البارحة وهي ترقص فرحًا وتتمايل طربًا وتشعل الأضواء وتزف اللاعبين وإدارة النادي في الساحة التراثية من أمام قلعة تاروت الشامخة وكأنها تهدي هذا النصر لأثر شامخ للعيان، عناق تاريخ رياضي بتاريخ حضاري.
يالها من فرحة عارمة حدثت ليلة البارحة حيث تقاطعت مع فرحة سادت بالقرب من نفس المكان قبل 49 عامًا حين كان نادي الهدى يقطن شمال مسجد أبو عزيز، لحدث لا ينسى من عام 1396 هجرية حين بث راديو المملكة العربية السعودية عند العصر خبر تسجيل نادي الهدى رسميًا بعد انتظار دام خمس سنوات من اتحاد النصر والنسر اللذان شكلا الهدى عام 1392 ومحاولات حثيثة للتسجيل وكان للمخلصين والمثابرين ما كان، حلم تحقق على أرض الواقع، أشبع الخبر وفي لحظات توافد الأعضاء وكل منسوبي النادي والمشجعين كبار وصغار يتعانقون بفرح عارم كل يقبل الآخر على هذا الخبر المبهج، حيث كان عصيًا أن يتحقق خصوصًا أثر سقوط نادي المنار الرياضي بتاروت 1389 ناد مسجل رسميًا لكن عصفت به الريح وأصبح نسيًا منسيًا، ويأتي الهدى ليحل محل أمجاد الأمس، وليلة البارحة اختلط الفرح مع ذاك الفرح القديم يوم تأسيس الهدى رسميًا 1396 هجرية والواجهة في كلتا الفرحتين من أمام قلعة تاروت الشامخة الذي اتخذها الهدى شعارًا له بفضل تصميم الفنان جاسم الصايغ، وذلك اعتزازًا بهوية المكان.
حين سجل الهدى واعتمد رسميًا ضمن أندية المملكة سألت الفنان عباس علي آل حسين لماذا وقع اختيارك على اللونين، قال لي: ”انظر للونين الوردي والبنفسجي بجوار بعضهما، فهما يشكلان في النفس حالة فرح وأيضًا لم يسبق لأحد أن اختارهما، لونان متفردان على شعارات كل الأندية“ وراح يشدو ويدندن بأغنية ياس خضر: ”يا طعم يا ليلة من ليل البنفسج... يا حلم يا ممشى بممشى طبع قلبي من طباعك ذهب“.
تذكرت تلك النغمات وأعدت شدو أبو فاضل أثناء توثيقي لتلك اللحظات المفرحة من أمام قلعة تاروت المضيئة بلون الذهب، اندمجت مع الجماهير صغيرها وكبيرها وهي تصدح بأعلى أصواتها وتطوح بأعلام الفرح، تحيي اللاعبين فردًا فردًا، حاملة في لحظة تجلّي رئيس النادي تتلاقف به هوائيًا كعربون شكر وفخر، وتتراقص بالكأس الغالي المتلألأ ذهبًا، باركت لإدارة النادي المتمثلة في رئيسها المهندس مصطفى آل نوح، وعدد من الشخصيات الرياضية والداعمة للنادي يالها من لحظات فرح لا تنسى هي ثمرة لجهود طويلة ومضنية بطولة ستكون دعمًا مباركًا للقادم من الأيام.
تحايا خاصة:
لعل الإنجاز الذي تحقق ليلة البارحة أهديه بالنيابة عن إدارة النادي ومنسوبيه وأعضائه وجماهيره لكل رؤساء ومجالس النادي السابقين الذين تعاقبوا على إداراته، فكل أعطى وخدم وتفانى من أجل رفعة اسم النادي عاليًا.
وقبل الختام، تحية موصولة لرجلين أسسا لعبة كرة اليد في نادي الهدى، وهما:
* الأستاذ عبدالله علي آل حسين، المشرف الرياضي لأول إدارة منذ تأسيس الهدى، والذي يقف وراء إنشاء ملاعب النادي التي يمارس اللاعبون حاليًا تدريباتهم عليها.
* الأستاذ عبدالمحسن الصادق، الذي كان أول مدرب لفرقة كرة اليد بالنادي وهو من وضع اللبنة الأولى، وتحية وجدانية للكابتن محمد جميل فقد كنت ليلة البارحة الأجمل.
وتحايا للجميع دون استثناء لهذا الإنجاز الرياضي غير المسبوق من عمر مسيرة النادي خلال نصف قرن، وإلى مزيد من تحقيق الانتصارات القادمة بإذن الله تعالى.
وشكرًا لمن أوصل صوت الوردي صداحًا في ربوع الوطن ورفع اسم جزيرة تاروت عالياً.