آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

حدود التدخل في شؤون الآخرين

أمير بوخمسين مجلة اليمامة

قال الله تعالى: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ»، حرّم الشّرع التناجي والتكلم عن الخلق لما فيه من إشاعة الضغائن والكراهية بينهم. قال الله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»، دلّت الآية الكريمة على أنّ عدم التدخل في شؤون الخلق صفة من صفات المؤمنين. وقال الله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»، وهذا أمر من الله تعالى على عدم التدخل في شؤون الخلق وبيّن مسؤولية الإنسان عن جوارحه يوم القيامة. أحاديث نبوية كذلك تحثّ المسلم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، نذكر منها أنّ النّبي «ﷺ سلم» قال: «من حسنِ إسلامِ المَرءِ تركُه ما لا يعنيه».

وقال النّبي ﷺ: «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» وقال النّبي ﷺ: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ».. الكثير من الناس عندما تجلس معهم لا يترك أمرا إلا وأقحم نفسه فيه، وكأنه وصي عليك فيبدأ بتقديم النصائح والتوصيات في كل الأمور، فيبدأ بالتدخل في الأمور الشخصية، والتي تخص العائلة، لماذا لم تنجب عيال، ولماذا التأخير، ولماذا لم تسافر، أنا أسافر مرتين في كل عام، بل أكثر، ولدي سيارات وأراضي، ولماذا أنت مريض؟ وغيرها من الأمور، ويبدأ يستعرض، ويرى بأن الناس بحاجة لنصائحه وإرشاداته، ويتحدث عن نفسه بأنه غير مقصّر على العيال، تراه داخليا يعيش حالة من النرجسية في حياته، ويريد أن يسمع كلام الإعجاب والثناء عنه، ولا ينظر لنفسه إلا من خلالها، ويفتقد الذوق العام في حديثه، حيث يلقي الحديث على عواهنه، بدون مداراة للطرف الآخر، مبررا بأنه فعل ذلك من أجل تقديم النصيحة، ولا يعلم بأنه من خلال فعله هذا تسبب بالإساءة لمن أمامه. التدخل في شؤون الآخرين مذموم ما دام لم يطلب منك، وترك الناس في شؤونهم. وهو أحوج للاهتمام بنفسه حتى يقوّم تصوراته وانطباعاته ويحاكم سلوكه وتصرفاته. قد يفعل البعض ذلك من حسن نية، ومن باب المحبة، ومع ذلك بمجرد أن يجد الشخص الذي أمامه تقبّل في البداية، فالمفروض بأن الرسالة وصلت لصاحب النصيحة، ولن يكررها في المرات القادمة. إلا أن البعض مع سبق الإصرار يستمر في أسلوبه المزعج، لهؤلاء الصنف من المجتمع عليهم أن يتركوا الناس في حال سبيلهم مادام لم يطلب منهم، فالجميع لا يخلو من الهموم والمشاكل فلا تثيروها إلا إذا كنتم ستساهمون في حل المشكلة بصورة حقيقية. لأن إثارة بعض هذه الأمور تؤدي إلى خلق حالة من السلبية للطرف الآخر وبدلا من حل المشكلة يزداد الأمر سوءاً.