آخر تحديث: 16 / 9 / 2024م - 9:33 م

عبد الله «7»

رضي منصور العسيف *

أكمل عبدالله حديثه: طلبوا مني صك حسن سيرة وسلوك!

فقلت لهم: عندي شهادة حسن سيرة وسلوك من الثانوية... ألا تكفي هذه؟!

فقال المدير: لا... لا تكفي

قلت له: ومن أين صك حسن سيرة وسلوك؟!

قال عبدالله: من المحكمة...

قلت متعجباً: من أين....

ابتسم عبدالله وقال: نعم من المحكمة... من محكمة الأوقاف والمواريث «المحكمة الجعفرية» بالقطيف..

سألته مستنكراً: ولماذا هذا التعقيد...

قال عبدالله: لا أعلم...

المهم، أنني ذهبت مع عمي «أحمد» وابن «خالنا حسين إدريس» للمحكمة الجعفرية، وكان القاضي في ذلك الوقت هو المرحوم العلامة الشيخ عبدالحميد الخنيزي «الخطي» توفي في 8 أبريل 2001 م وكان قد استلم منصب القاضي في عام 1974 م حتى عام 2000 م.. لقد نسق لنا الأخ فايز آل سليم موعد الدخول ومقابلة الشيخ...

دخلنا على الشيخ وكانت هذه هي المرة الأولى التي أدخل فيها هذا المكان وأقف هذا الموقف... فكان الموقف فيه نوع من الرهبة والاضطراب...

سأل الشيخ عمي هل تعرف هذا الشاب؟

أجاب عمي نعم أعرفه

ثم توجه الشيخ لابن خالنا وسأله وأنت هل تعرف

أجاب ابن خالنا نعم أعرفه...

كتب الشيخ بعض الكلمات وسلمها لفايز وقال: اذهب معهم للكاتب

ذهبنا للكاتب والذي أخذ ورقة الشيخ... نظر إلينا وقال: راجعنا بعد شهر...

قلنا: لماذا بعد شهر... هي مجرد كلمات... أكتبها...

قال الكاتب: ألا ترون هذه الطلبات...

نظرت لمكتبه: وجدت مجموعة من الأوراق... وكان الكاتب يكتب كل صك بخط يده وليس بالكمبيوتر!

خرجنا من المحكمة...

ومضى الشهر...

استلمت صك حسن السيرة والسلوك... كنت فرحاً... بهذا الصك سأحصل على وظيفة كاتب في مندوبية تعليم البنات...

ذهبت مع عمي للمندوبية... أعطيتهم الصك...

نظر إلينا الموظف وقال: لقد تأخرت كثيراً... الوظيفة أصبحت من نصيب شاب آخر...

كانت صدمة...

بعد شهر... وبعد حلم كنت أعيشه... «طارت» الوظيفة... أصبت بالإحباط...

وعدت للبقالة...

استمر الحال في البقالة وكتابة البحوث... وهنا تطورت مهاراتي الكتابية أكثر وأكثر...

حتى جاء موعد التقديم في الجامعات...

قررت أن أذهب لجامعة الملك عبدالعزيز مع الأصدقاء... لقد تم تنسيق رحلة لجدة بواسطة أحد الباصات من سفريات الهزيم... كان معي صديقي مجيد آل ناس... كان الباص ممتلئاً بشباب القطيف، وقد حددت الجامعة موعد التقديم لكل نسبة... فكانت نسبتي «82%» موعد التقديم هو يوم الأربعاء... وصلنا جدة وكان في استقبالنا أحد الشباب من أقاربنا «السيد جاسم السيد محفوظ آل حمزة «الجراش» ذهبت مع صديقي مجيد لبيت السيد الجراش في حي التحلية، وكانوا قد أعدوا لنا وجبة العشاء وغرفة للمبيت... فكانوا من أهل الخير والكرم والأخلاق...

في الصباح ذهبت مع مجيد للتقديم في الجامعة... إلا أن جدول القبول تغير... فكانت نسبة 84% وما أعلاها يوم الأربعاء ونسبة 82% يوم السبت... والباص سيرجع يوم الأربعاء ولن يبقى ليوم السبت...

بدأ الإحباط يتسلل لنفسي... أبعد هذا المشوار أرجع خائباً...

كنت أرى أن من نسبته 84% يسمح له بالدخول ولا يسمح لغيرهم ممن نسبتهم أقل...

دخل مجيد... وبقيت في الخارج...

عاد لي مجيد بعد أن قدم أوراقه... وتم استلامها...

قال مجيد: ما رأيك أن تأخذ شهادتي وتدخل بها....

نظرت إليه: ماذا تقول... كيف أدخل بشهادتك...

قال مجيد: الموظف لا يسألك عن اسمك ولا ينظر للصورة... انظر ألا تراه... هو ينظر للنسبة فقط... هيا خد شهادتي.. وعندما تتعدى الموظف... ضع شهادتي في الظرف وقدم شهادتك...

قلت هذه مغامرة ولا أعلم ماذا سيحدث....

أخذت شهادة مجيد... تقدمت ناحية الموظف.... نظر للنسبة... وقال هيا تفضل ادخل...

ابتسمت وقلت في نفسي لقد نجحنا...

وصلت للموظف الذي سيستلم الشهادة... أعطيته شهادتي...

نظر إلى النسبة... نظر إلي وقال متعجباً: كيف دخلت إلى هنا؟! اليوم نقبل نسبة 84% فقط كيف وصلت إلى هنا؟!

قلت: لا أعلم ولكني الآن أمامك...

نظر الموظف لشهادتي وقال: أنت نسبتك 82% موعدك يوم السبت وليس اليوم...

قلت له: ولكني حضرت حسب الإعلان الذي نشر في الجريدة...

قال الموظف: هذا صحيح ولكننا غيرنا الإعلان يوم أمس...

قلت وما ذنبي أنا الذي حضرت من الشرقية... لقد حضرت بناء على إعلان الجامعة...

قال الموظف: لا تجادلنا... موعدك يوم السبت...

قلت له: لقد حضرنا بالباص وسيعود اليوم... ولن أستطيع أن أعود مرة أخرى... اقبل أوراقي وضعها في الدرج ويوم السبت ضعها مع ملفات نسبة 82%...

نظر إلي الموظف وقال: قلت لك تعال السبت وليس لك اليوم أي فرصة...

بقيت واقفاً للحظات... لا أعرف هل أخرج أم ماذا أفعل...

قال الموظف: تعال السبت ليس لك اليوم أي شيء... هيا اخرج هناك طلاب آخرون ينتظرون الدخول...

خرجت ولا أعرف ماذا أقول...

سألني صديقي مجيد: ماذا عملت هل قبل ملفك...

هززت رأسي... لا...

ساد الصمت بيننا....

توجهنا للباص...

كنت أتذكر كلمة أم السيد جاسم الجراش وهي تقول إن تم قبولكم ستكون هذه غرفتكم...

نظرت ناحية سكنهم... وقلت في نفسي... للأسف... لم يحالفنا الحظ

بقيت صامتاً طوال تلك المسافة «من جدة إلى القطيف»...

تعمدت أن أنام لكي لا أتحدث مع أي شاب... حتى وصلنا القطيف....

وصلت البيت... سألوني: هل تم قبولك...

نظرت إليهم... ثم قلت:

لم أستفد شيئاً سوى التعب... التعب...

نمت تلك الليلة... والحزن يعتصر قلبي...

كانت تجربة قاسية...

في الصباح قالت أمي: لا عليك يا ولدي سيكون لك رزق في مكان ما...

تناولت فطوري وقلت: سأذهب للبقالة...

عند ذهابي للبقالة... راجعت نفسي... وقلت: عليك يا عبدالله أن لا تيأس... كن قوياً...

بعد أيام ظهرت نتيجة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة... ولم يتم قبول أي طالب ممن ذهب معي في تلك الرحلة!!!

ولكن بعض الأصدقاء تم قبولهم في جامعة الملك سعود وبعضهم في كلية المعلمين...

وهكذا استمر الحال في وظيفة بائع البقالة للفصل الدراسي الأول...

في هذه الفترة كنت أقاوم كل محاولات اليأس والإحباط... كنت أتحلى بالصمود في وجه هذا الفراغ... كنت أعمل وأشغل نفسي بالوظيفة المؤقتة... تعرفت على مجموعة من أبناء حي المجيدية... تعلمت مهارات جديدة...

لا أخفي عليك أنه كانت تنتابني بعض أعراض الإحباط عندما نجلس ليلة الجمعة مع الشباب... ولكن كنت أقول «كل واحد ياخذ نصيبه»...

استمر الحال حتى جاء موعد التقديم من جديد للفصل الدراسي الثاني... وكعادتي... ألقيت بملفي مرة أخرى في كل كلية وجامعة...

قدمت ملفي في كلية الجبيل... اختبرت... وكانت النتيجة... ناجح... تهلل وجهي فرحاً... ولكن قلت بقي المقابلة لا أعلم ماذا ستكون النتيجة...

دخلت المقابلة... كنت واثقاً من نفسي... صلباً عند الإجابة عن الأسئلة الشخصية... شعرت عند خروجي أني مقبول... ولكن... ربما يكون العكس...

انتظرت أيام... أيام...

حتى تم الإعلان عن نتائج القبول في كلية الجبيل...

في الصباح خرجت مع أبي للبقالة... وقبل أن نذهب... قلت لأبي... سأشتري جريدة... اليوم نتائج كلية الجبيل...

اشتريت الجريدة...

قال أبي... هل تم قبولك... افتح الجريدة... افتحها يا ولدي...

قلت: لن أفتحها...

قال أبي: براحتك...

وصلنا البقالة... عاد أبي للبيت...

قبل أن أبدأ في ترتيب الأغراض وأنظف البقالة... جلست على الكرسي... فتحت الجريدة... صفحة المقبولين في كلية الجبيل...

بدأت أقرأ.... اسم... اسم... اسم...

ماذا أرى... هذا اسمي... نعم هذا اسمي... لقد قبلوني... نعم هذا اسمي مقبول في كلية الجبيل...... أعدت قراءة الاسم ثلاث مرات...

خرجت من البقالة... أقفلت الباب... ذهبت مسرعاً لمحل حلويات قصقوص... قلت له وأنا ألهث: هل يمكنني أن أستخدم التلفون... سوف أتصل ببيتنا....

قال: تفضل...

اتصلت....

رفعت السماعة أمي...

قلت لها: أمي لقد قبلوني في كلية الجبيل... نعم قبلوني.... نعم متأكد... قبول نهائي.. ما فيه اختبارات ولا مقابلات....

الحمد لله يا أمي....

همسة:

إياك أن تشعر بالعجز عندما يكون همّك كبيرا، فقد يكون الفرج قريباً جداً لكنك لا تراه.

للقصة بقية

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف