حرمان الطالب من الدراسة قرار غير تربوي
نشرت وسائل الإعلام قبل أيام أن وزارة التعليم أقرَّت إجراءً صارمًا بحقِّ الطلاب الذين يتغيَّبون عن الدراسة من دون عذر مقبول. بحيث يتجاوز عدد أيام غيابه 25 يومًا، خلال العام الدِّراسي، سواء كانت متَّصلة أو متقطِّعة، دون تقديم مبرر معتمد، سيتعرَّض للتحويل من نظام التعليم المنتظم إلى الانتساب. وعلى الرغم من أن الهدف يبدو موجها نحو تعزيز الانضباط والالتزام، إلا أن القرار يُعتبر في حقيقته عقوبةً للطلاب أكثر من كونه حلًا تربويًا، وكأن وزارة التعليم تريد القول إن حرمان الطالب من الدراسة المنتظمة هو حل تربوي يعالج كثرة غيابات الطلاب المتكررة، وهنا أود مناقشة هذا القرار في أكثر من زاوية، أولا: حرمان أي طالب من الدراسة المنتظمة في أي مؤسسة تربوية في العالم ولو لأسبوع واحد، هو في واقعه قرار غير تربوي كونه يقضي بتهرب المؤسسة من أداء دورها ومهمتها التربوية ورميها على المجتمع بدل أن تكون مدارسنا هي خط المجتمع الدفاعي الأول، وإلا هل تتوقع أن الطالب الذي لا يبالي بالدراسة الحضورية سيبالي بدراسته عن بعد أو الانتساب؟ حيث إن فصل الطالب من الدراسة المنتظمة وجعله منتسبا قد يجعله يتفرغ، لممارسة ما تم فصله من أجله، وقد تحدث لديه ردة فعل معاكسة كالرغبة في الانتقام، وقد لا يعود لكراسي الدراسة مرة أخرى، وكما يقال في المثل «جيت أكحلها عميتها» وهنا قد يلجأ الطالب إلى فئات شريرة مثل مروجي المخدرات أو غيرها من الفئات الضالة، أما الطالبات فحدث ولا حرج، لك أن تتخيل أن فتاة تم حرمانها من الدراسة المنتظمة وبدلا من إرغامها على النوم والاستيقاظ مبكرا، نجدها أصبحت كائنا ليليا متفرغة لمواقع التواصل الاجتماعي، ماذا تتوقع أن يحصل بعد ذلك من تكريس هذا الفراغ الكبير للفتاة الصغيرة من عمر 14 عاما وحتى 18 عاما؟
ثانيا: في نظري أن مثل هذه العقوبات الصارمة ليست مسؤولية وزارة التعليم كمؤسسة تربوية بل هي مسؤولية الأجهزة الأمنية والقضائية. فهي ليست جهة بوليسية هي فقط تراقب بعين تربوية مهمتها معرفة الخلل والأسباب، ومن ثم طرق العلاج من قبيل، تحويل الطالب إلى مرشد نفسي وموجه اجتماعي يحاولان إعادة تأهيله من جديد، ويكون ذلك بعد الدوام المدرسي حيث تكلف إدارة تعليم كل منطقة مجموعة من الموجهين الاجتماعيين والمرشدين النفسيين بالتفرغ لهؤلاء الطلبة وهي بمثابة جرعات مكثفة تتركز حول إعادة الطالب وتأهيله من جديد نفسيًا واجتماعيًا وتعليميًا بمشاركة أولياء الأمور بحيث يتم إدخالهم بشكل مباشر في عملية التأهيل، وهذا موجود في كثير من دول العالم المتقدم، وهذا بالضبط جوهر العملية التعليمية. فالتعليم ليس من مهامه تخريج طلبة وطالبات ملائكة، وإنما إخراج بشر أسوياء طموحين واعين يحسنون التفكير، فكم من أشخاص اليوم هم ملهمون ومبدعون كانوا في طفولتهم كارهين رافضين للمدرسة والمجتمع، لولا أن أسرهم كانوا واعين مراقبين لهم، خاصة أن الطلبة والطالبات قد تصدر منهم في هذه المرحلة العمرية زلات قد تكون كبيرة في بعض الأحيان، وهو أمر طبيعي فهو لم ينضج بعد بل هو في طور تشكيل شخصيته.
ثالثا: منذ متى كان التعليم عن بعد أو الانتساب عقوبة، ألم يصرح مسؤولو التعليم قبل سنوات بأن التعليم عن بعد هو خيار إستراتيجي، كيف تحول اليوم بقدرة قادر إلى عقوبة؟
رابعا: وزارة التعليم تعتبر أن التعليم عن بعد والانتساب فيه الكثير من الفاقد التعليمي، وهي بهذا القرار تساهم في تعميق الفجوة في الفاقد التعليمي! أتمنى من مسؤولي التعليم إعادة النظر في القرار.