آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:35 م

الذكاءُ الاصطِناعي ومستقبلُ البشريَّة

محمد الحميدي

باتَ مستقبلُ البشريَّة يعتمدُ أكثرَ فأكثرَ على تطبيقاتِ العقلِ البدِيل، أو ما يُطلق عليه الذكاءُ الاصطِناعي، فبواسطتِه غدَت حيَاة النَّاس أسهَل، واستطاعُوا إيجَاد حلُول لمشكلاتٍ تقنِية، وعلميَّة، ورياضيَّة، وفيزيائيَّة، ظلَّت عصيَّة ولا يُمكن التنبُّؤ بنتائِجها، إلى أن أصبحَ البعِيد قريباً، وما ظُن أنه مستحِيل أضحَى ماثلاً أمامَ أعيُنِهم؛ هُنا اندفعُوا إلى التساؤُل عن المستقبَل، والتغيُّرات التي ستحدُث، وتتسبَّب في التَّأثير على حياتِهم، بشكلٍ مُباشر أو غَير مُباشر!

العقلُ البدِيل

الذكاءُ الاصطِناعي وليدُ الحاجةِ إلى الدِّقة والإتقَان، وهيَ مهمَّة يمارسُها البشَر بتلقائيَّة، حينَما يباشِرون حلَّ مشكلاتِهم، أو إنجَاز مشاريعِهم، أو القِيام بواجباتِهم، لكنْ بسببِ قِصَر أعمارِهم، ينتابُهم شعُور بضِيق الوقتِ وعدَم كفايتِه؛ كي يمارسُوا مهامَّهم، ويؤدُّوا واجباتِهم على الوجهِ الأكمَل والأمثَل، ما دفعَهم للبحثِ عن البدِيل، الذِي وجدُوه في الآلة والعَقل؛ حيثُ الآلة تقومُ بالأعمَال الشَّاقة، كالرَّفع، والحَمل، والتنقُّل، وغيرَها، بينَما العقلُ يمارسُ دورَه في القِيادة والتَّنسيق بينَ الأجهِزة المختلِفة، ومن خِلال اجتِماع الآلة والعَقل انطلَق العصرُ الحَالي.

الصِّناعةُ والمعرفةُ أساسُ الحضَارة البشريَّة القائِمة؛ حيثُ ينتظرُ منهما أنْ يدفعَا البشريَّة إلى الأمَام، ويقودَاها إلى المستقبَل، عبرَ زِيادة الاعتِماد على التَّطبيقات، والبرامِج، والمصنُوعات، والمُخترعَات المتعلِّقة بكلِّ واحدٍ منهما، وهوَ ما يُمكن رؤيتُه في جمِيع مناحِي الحيَاة، بدايةً من الأجهِزة الذكيَّة، وانتقالاً إلى الآلاتِ التِي تعمَل بدُون تدخُّل بشَري، وليسَ انتِهاء بالأجهِزة والآلاتِ التِي تحتَاج معامَلة خاصَّة، ومتابَعة مستمرَّة؛ من أجلِ ضمَان عدَم حدُوث مشكلاتٍ تؤثِّر في تنفيذِها لمهامِّها.

مهامُّ الآلاتِ وكيفيَّة أدائِها لعملِها منوطُان بالعقلِ البشَري، الذِي يسعَى إلى الدِّقة والإتقَان، وهوَ ما يشيرُ لسعيهِ نحوَ بلُوغ الكَمال الصِّناعي والمعرِفي؛ لهذَا تُعقد المقارَنات بينَ الأفرَاد والأشيَاء، وتزدَاد النِّقاشات حولَ المُنتجَات والسِّلع والخدَمات، حيثُ تتحوُّل الأمُور الهامشيَّة إلى قضايَا ”رأَي عَام“، إمَّا محليًّا أو عالميًّا؛ كَما في التَّحديات التِي انتشَرت واختَفت، أو الممارسَات التِي برزَت واندثَرت، أو الكَلمات والعِبارات التِي سادَت ثمَّ بادَت، إذ تُشير جميعُها إلى رغبَة أبناءِ العصرِ الرَّاهن في التفوُّق والتميُّز.

التفوُّق والتميُّز؛ سعيٌ إلى الكَمال، وخروجٌ عن دائرةِ المشابهةِ والتَّماثل، وهُما السِّمتان الأكثرُ انتشاراً بينَ البشَر، حيثُ الغالبيَّة يفتقدُون القُدرة على الإبدَاع والابتكَار؛ لذَا يلجؤُون إلى استِعارة أفكَار الآخرِين، ونسبتِها إليهم، وهوَ ما ظهَر كأمرٍ اعتيادِي، لا يُثير شكًّا، رُغم اندراجِه ضِمن أنواعِ السَّرقات، حيثُ الاعتِياد على الفِعل؛ لا يُلغي سلبيَّته، إنَّما يكتفِي بوضعِ حاجزٍ يمنعُ النَّظر من رُؤيته على حقِيقته، هكذَا تمَّ الاعتِقاد بعدَم وجُود إشكاليَّة في الاستِعارة، بينَما هيَ مُمارسة تشمَل خداعاً وغشًّاً ثقافيًّا؛ إذ تُوهم المرءَ بأمرٍ إيجَابي، وتُعطيه شعوراً بالرَّاحة، بينَما في المقابِل تُخفي عن عينَيه جميعَ العيُوب، بما فيها عدَم القُدرة على الإبدَاع والابتكَار.

الحاجةُ إلى الإبداعِ والابتكَار؛ يمثِّل مستقبلَ البشريَّة، وأهمَّ ما تهدفُ للوصُول إليه، لهذَا ازدَاد الاعتِماد على الآلة والمعرِفة، وتمَّ إدماجُهما معاً؛ ليشكِّلا منظُومة متكَاملة، باتُ يُطلق عليها منظُومة الذَّكاء الاصطِناعي، حيثُ تتكوُّن من يدٍ تُمسك وتَرفع، ورجلٍ تَقف وتَمشي، وهُما أساسَان لا يُمكن الاستِغناء عنهما في أيِّ صِناعة أو تقنِية، بل قد يغدُو الاعتِماد عليهما كليًّا، وضِمن أمُور حسَّاسة للغَاية؛ كَما في العمليَّات الجراحيَّة الدَّقيقة، التِي يتمُّ إجراؤُها بدُون تدخُّل بشَري.

إخراجُ البشرِ من المشهَد، والاعتمادُ على الآلة؛ يمثِّل جوهرَ وجُود الذَّكاء الاصطِناعي، أو العَقل البدِيل، حيثُ الهدفُ يتمثَّل في الإتقَان والدِّقة، وهوَ ما تمَّ توفِيره، وجرَى اختبارُه من خِلال السَّيارات الكهربائيَّة، والطَّائرات المسيَّرة، والأجهِزة الطبيَّة، والكَثير من آلات المصانِع والمعامِل والمنازِل، وحِين تحدُث مشكلَة، تتمُّ معالجتُها بسُرعة، وأحياناً بضغطَة زِر، عبرَ إنزالِ آخر التَّحديثات والتَّحسينات، وهكذَا تكُون دورةُ حيَاة الآلة المشتمِلة على الذَّكاء الاصطِناعي اكتملَت، وتمَّ اختبارُها بنجَاح؛ استعداداً لإدماجِها في الحيَاة، والاستِغناء عن البشَر.

المعرفةُ النَّاقصة

السعيُ إلى الكَمال، عبرَ التفوُّق والتميُّز؛ إحدَى الخصائصِ الإنسانيَّة الهامَّة، التِي يسعَى المبرمجُون لإدخالِها ضِمن تطبيقَات العَقل البدِيل، باعتبارِه عقلاً مشابهاً ومُستَمدًّا من العَقل البشَري، وقريباً جدًّا منه؛ من أجلِ أن يُمارس أدوارَه، ويقُوم بأعمالِه، وُفق مُستوى أعلَى من الدِّقة والإتقَان، مع التفوُّق في التَّركيز والوَقت، فالبشَر يُصابون بالإعيَاء والتَّعب، بخِلاف الآلات، إذ لا تمتلكُ مشاعِر أو عائِلة، ولا تهتمُّ إلا بـ ”الإنجَاز“، التِي ستُعتبر القِيمة الأهمَّ، وما يتمُّ النَّظر إليه، حِين يتعلَّق الأمر بالذَّكاء الاصطِناعي، لأنَّ الهدَف الرئيس من اختراعِه؛ يتمثَّل في تسهِيل وتيسِير حيَاة البشَر.

ما يميِّز الآلة ويجعلُها متفوِّقة؛ قدرتُها على إنجازِ مُتطلَّبات أكثرَ دقَّة، وأكبرَ حجماً، إضَافة إلى عدَم شعُورها بالملَل، أو حاجتِها للرَّاحة والتوقُّف، وهيَ السلبيَّات التِي تعتَري البشَر، وتجعَل من المستحِيل الاعتِماد عليهم اعتماداً تامًّا، في تلبيَة الطَّلب المُتزايد على السِّلع والمنتجَات والخدَمات، لهذَا غدَا الاعتِماد على الآلة والعَقل البدِيل شيئاً ضروريًّا؛ فرضَته الحاجةُ الملحَّة لسدِّ العَجز في اليَد العامِلة والعَقل المدبِّر المسيِّر، وهُما ما يحكُمان العلَاقة البشريَّة اليوم؛ حيثُ الاتِّجاه إلى ”تسلِيع“ الأشيَاء، وجعلِها قابلَة للمُساومة والبَيع.

تسليعُ الأشيَاء، والاتِّجاه ناحيةَ اقتِصاد السُّوق؛ تحكُمُ العلَاقة البشريَّة القائِمة على ”تبادُل الفوائِد“؛ كعلَاقة العمِيل بالبائِع، والمُشتري بالتَّاجر، وهيَ العلَاقة التِي باتَت مُنتشرة، وتَمتلك من الشِّيوع ما يكفِي؛ لاعتبارِها من أكثرِ العلَاقات حضوراً ضِمن المشهَد اليَومي، رُغم ما يشُوبها من سلبيَّة وعدَم مِثاليَّة؛ لتركيزِها على جانِب واحِد، هوَ الجانِب المعرِفي، وإهمالُها لبقيَّة الجوانِب؛ كالوجدانيَّات والمشاعِر، اللذَين لا يقلَّان أهميَّة عن التَّسليع واقتِصاد السُّوق، لكونِهما يمثِّلان الجُزء الخاصَّ بالقِيَم في أيِّ علَاقة، وهوَ ما يفتقدُه العَقل البدِيل، ولا يستطِيع الوصُول إليه؛ لأنَّ أسَاس وجُوده متعلِّق بالاقتِصاد، لا العلَاقة البشريَّة.

العلاقاتُ البشريَّة ليسَت علاقاتٍ اقتِصادية، خاضِعة لمنطِق السُّوق والتَّسليع، مِثلما أضحَى رائجاً بينَ جِيل الألفيَّة الثَّالثة، الذِي أخَذ ينظُر إلى الأشيَاء باعتبارِها فُرصاً للمُنافسة والحصُول على المكَاسب، مهملاً أهمَّ القواعِد في مجَال العلَاقات الإنسانيَّة، وعلى رأسِها قاعِدة ”العطَاء بلا مُقابل“؛ كالتِي بينَ العائِلة والأقارِب والأصدِقاء، وقد يستفِيد منها أيضاً الأغرَاب، ومَن لا تربطُهم علَاقات اجتماعيَّة، أو صِلة قَرابة، حِين يتعرَّضون لمُشكلة، أو يُصابون بأزمَة، فيَأتي مَن يُساعدهم، ولا يطلُب مقابلاً، فهنا يكمُن نقصُ العَقل البدِيل؛ الذِي يستمرُّ بالنَّظر في اتِّجاه الإنجَاز، دُون أن يُبدي أيَّ اهتِمام بالعلَاقات.

العقلُ البديلُ عقلٌ إنجَازي؛ خاضعٌ لمنطقِ السُّوق والتَّسليع، تحكمُه الفائِدة والإنتَاج، ولا يهتمُّ بالإنسَان؛ بسبَب عدَم إيمانِه بالعلَاقات، إذ يرَاها عبئاً يُعيق أداءَه لمهامِّه، وهذَا ما يُخيف البشريَّة، ويجعلُها في حذَر دائِم أثنَاء العَمل على تطوِيره، إذ تراهُ قادراً على القِيام بكلِّ شيء، حِين يمتلكُ الأدواتِ والإمكانيَّات، ولهذَا يُمكن تفهُّم الدَّعوات التِي تُحذِّر منه، وتدعُو إلى فرضِ رقابةٍ صارمةٍ على تطوِيره، بل والاكتِفاء بما وصَل إليه، كي لا يتسبَّب بمأسَاة، أو يؤدِّي إطلاقُ يدِه بدُون رقَابة؛ لوقُوع كارِثة يصعُب تدارُك نتائِجها.

الذَّكاء النَّاقص

المعرفةُ البشريَّة نتاجُ تراكُم طوِيل من التَّجارب، فكلُّ معلُومة لا بدَّ أن تمرَّ بمراحِل متعدِّدة من أجلِ إثبَاتها، والتأكُّد من حقِيقتها، ولأنَّ الوجُود بأكملِه عِبارة عن حَقائق وقوانِين، انطلقَ العَصر الصِّناعي معتمِداً على التَّجربة البرهانيَّة القادِرة على الإثبَات، يرافقُها في المسيرِ المعرفةُ ”التخصُّصيَّة“؛ إذ غدَا لكلِّ فَرع من العلُوم استقلالُه، وتمَّ التوسُّع فيه، والتعمُّق داخِله، حتى تفرَّع إلى تخصُّصات دقِيقة ومُتمايِزة عن بعضِها البَعض، وهوَ ما يدخُل ضِمن بابِ الدِّقة والإتقَان، الذِي باتَ يحكُم الحيَاة البشريَّة في سعيِها نحوَ الكَمال.

الكمالُ المعرِفي المُعتمدُ على الدِّقة والإتقَان؛ احتَاج الذَّكاء الاصطِناعي لتفادِي مُشكلات العَقل البشَري وآفاتِه، حيثُ تعتَريه مجمُوعة من العيُوب والنَّواقص، أبرزُها النِّسيان، والخَلط، والاعتِقاد بصَواب الفِكرة بِناء على يقينيَّات مُسبَقة، وغلبَة المشاعِر والوجدانيَّات على الأحكَام التِي يصدرُها، فهذِه العيُوب لا تختصُّ بعَقل دُون آخر، أو بذَاكرة دُون أخرى، بل هيَ مُشتركَة ومُتوزِّعة بينَ البشَر، والذِي يختلفُ بينَهم إنَّما هوَ نِسبة امتِلاك الذَّاكرة من كلِّ عَيب من العيُوب، فربَّما غلَب النِّسيان على الذَّاكرة، أو ربَّما غلَبت اليقينيَّة عليها، أو قد تتأثَّر بالوجدانيَّات والمشاعِر، أو تختلطُ لدَيها المعلُومات وتتداخَل، ولا تستطِيع التَّفريق بينَها؛ بسبَب تراكُمها وكَثرتها.

سعَى العقلُ البديلُ إلى تفادِي العيُوب والنَّواقص التِي تلحقُ بالذَّاكرة، حينَما تمَّ التَّأسيس للذَّكاء الاصطِناعي، باعتِبار الذَّكاء مظهراً من مظاهِر الذَّاكرة، وتجلِّياً من تجلِّيات العَقل؛ لهذَا برزَت سِمات الإتقَان والدِّقة كقِيَم عُليا، يهدُف للوصُول إليها، مُستفيداً في ذلكَ من التراكُم الكَبير للمعرِفة؛ حيثُ عمِل المبرمجُون على تزوِيد العَقل البدِيل بمجمُوعة من الأدوَات الإجرائيَّة، التي تمكِّنه من إجراءِ عمليَّات شدِيدة التَّعقيد؛ لاستِخلاص النَّتائج، أو التنبُّوء بالأحدَاث، أو مُحاكَاة التَّجارب التِي لا يُمكن للإنسَان أن يُجريها بنفسِه، وهنا ظهرَت قيِمة الذَّكاء الاصطِناعي، وأصبَح للعَقل البدِيل مكَانة مرمُوقة بينَ البشَر، معَ بدءِ استخدَامه لخِدمة الأهدَاف العلميَّة والتِّقنية، التِي اتَّسمت بالصُّعوبة، واستِحالة التحقُّق.

تمَّت الاستفادةُ من التراكُم المعرِفي في تطويرِ إمكاناتِ العقلِ البدِيل، عبرَ تزوِيده بمجمُوعة مُتنوِّعة من الأدوَات والإجراءَات، إذ ساهَمت في تقدِيمه أفضَل النَّتائج، وقِيامه بأعقَد العمليَّات؛ ما سهَّل حيَاة البشَر، وساعَد في تقرِيب وصُولهم إلى أهدافِهم، مُعتمدِين بشكلٍ كبيرٍ على المبرمجِين، الذَين أسهمُوا في توجِيه الذَّكاء الاصطِناعي، ناحِية الاستِفادة من الإمكَانات المعرفيَّة والتقنيَّة المُتاحَة، وضمَان وصُوله إليها، بعدَ أن تَّم تقسيمُها وتبويبُها؛ تفادياً لاختلاطِها، مع إبعادِهم لليقينيَّات القائِمة على الرُّؤية الأُحادية تِجاه الأشيَاء، وكَذلك تخلِّيهم عن المشاعِر والوجدانيَّات التِي يُمكن أن تؤثِّر في إطلاقِه لأحكَامه.

تحقَّق الهدفُ المعرِفي من وجُود الذَّكاء الاصطِناعي على مُستوى التِّقنية والعِلم، أمَّا على مُستوى العلَاقات الإنسانيَّة والجوانِب الإبداعيَّة، فالمسَألة ما زالَت في طَور البِداية؛ كَونه يفتقِد ”الخِبرة“ الضروريَّة لمُمارسة الحيَاة، وبِناء العلَاقات، وإنتَاج الحلُول المُبتكَرة والمُناسِبة للمُشكلات، كما يفتقِد خِبرة ربطِ الإبدَاع بالمُجتمَع؛ من أجلِ التَّأثير فيه ودفعِه للتَّفاعل معه، ولهذَا سيتوجَّب عليه قضاءُ وقتٍ طوِيل في التعلُّم، ودِراسة أنماطِ السُّلوك، وأشكَال الإبدَاع، وكيفيَّة إنتاجِها وتلقِّيها، ورُغم ذلكَ قد لا يصِل إلى النَّجاح المطلُوب؛ لأنَّ الأمرَ هنا لا يتعلَّق بالقوانِين والقواعِد، بل بالذَّوق والتقبُّل.

تختلفُ أذواقُ الأشخَاص، مِثلما تختلفُ سلوكيَّاتهم، ولهذَا يختلفُ تقبُّلهم للإبدَاعات والعلَاقات؛ ما يعنِي الحاجَة إلى مُراكَمة الخِبرات، لفَهم السُّلوك الإنسَاني، والإبدَاع الأدَبي، اللذَين يُمثلِّان لغزاً بالنِّسبة للعَقل البدِيل؛ لأنَّهما لا يخضَعان لقواعِد معرُوفة، وقوانِين مكتُوبة، بل إلى الذَّوق والتقبُّل والانسِجام، وهيَ أمُور لا يتوفَّر عليها الذَّكاء الاصطِناعي، وليسَت في حَوزة المبرمجِين؛ كَونها تحتَاج مُمارسة الحيَاة، والاختِلاط بالأشخَاص، ومعرِفة اتِّجاهاتهم، ونمَط تفكيرِهم، وأبرَز المؤثِّرات على ذائقتِهم.

ختاماً:

العقلُ البديلُ استطاعَ التفوُّق على العقلِ البشَري؛ في مجالاتِ المعرِفة والتِّقنية؛ حيثُ اتَّضحت أهميَّة الذَّكاء الاصطِناعي عبرَ التَّطبيقات العدِيدة، التي سهَّلت حيَاة البشَر، وساعدَتهم في وصُولهم إلى أهدَافهم، لكنَّ هذه الأهميَّة تتضاءَل حينَ تصِل إلى العلَاقات الإنسانيَّة والإبدَاعات الأدبيَّة، إذ لا يزالُ الذَّكاء الاصطِناعي قاصراً، وغيرَ مُهيَّأ لاختراقِ هذَين الجانِبين، اللذَين يتميَّزان بعدَم وجُود قوانِين ضابِطة، وقواعِد صارِمة؛ لاعتمادِهما الذَّوق الشَّخصي والتقبُّل الفردِي، وهوَ أمرٌ سيعنِي الحاجَة إلى تكرِيس مزيدٍ من الوَقت في دِراسة السُّلوك البشَري، وعلَاقته بالدَّوافع والموانِع؛ الرَّامية إلى معرِفة أسبَاب قبُول ورفضِ نوعٍ من العلَاقات، أو إبدَاع من الإبدَاعات.