آخر تحديث: 18 / 10 / 2024م - 12:02 ص

علاقة مقلوبة

حسن آل جميعان * صحيفة الشرق

كثر الجدل بين الأمم السابقة حول أيهما المقدم الفرد أم المجتمع؟ واستمر هذا الجدل إلى وقتنا الراهن، وبطبيعة الحال انقسم الفلاسفة والمفكرون والناس في تشخيص هذه الجدلية المعقدة جداً، التي قد يعرض الخطأ فيها إلى كثير من التعثر وعدم التقدم الذي تطمح وترغب فيه المجتمعات البشرية.

من هذه المقدمة نستطيع أن نقسم المجتمعات أو الأمم البشرية إلى قسمين، وما هي مبررات كل قسم منها؟

أولاً: المجتمعات المتقدمة أو الغربية كما يطلق عليها أو مجتمعات العالم الأول اختارت الفرد وجعلته النواة التي ترتكز عليها لكي تشق طريقها نحو التنمية والتطور والتقدم الذي تسعى إليه. حيث تنطلق رؤيتهم وفلسفتهم من أن مجموع الأفراد المتميزين والمبدعين يتشكل منهم المجتمع وليس العكس، وبالتالي ينتج مجتمع مكون من أفراد أصحاب كفاءة قادرين على النهوض بمجتمعهم ولديهم المسؤولية التي تحفزهم للإبداع وتجاوز التحديات المستقبلية التي تواجههم وتعترضهم، وبهذا ينعكس على واقعهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى.

أما القسم الثاني: المجتمعات المتخلفة أو العالم الثالث فلديها فلسفة مغايرة أو معاكسة لما عليه المجتمعات المتقدمة، وهي أن المجتمع أو الجماعة أو الهوية المتخيلة هي التي تكون المتصدرة وفي واجهة المشهد، والأفراد هم جزء من هذه الجماعة، وبالتالي يكون الفرد المميز في حالة ذوبان وانصهار بحيث لا تشعر به إلا ضمن الجماعة، لأن القوة يستمدها الفرد المبدع من الهوية المتخيلة التي ينتمي لها وليس من خلال إبداعه وتميزه، لذلك نجد حالة التخلف والنرجسية وغياب مقومات التطور أو انعدامها، بسبب هذه الفلسفة المقلوبة بين الجماعات المتخلفة التي تقدم هويتها على حساب أفرادها الذين هم النواة الرئيسية في تشكلها وتكونها، وهذا نابع من شعور هذه الجماعات بالغبن والقهر أو الدونية، وبالتالي تتجه إلى تعزيز وتضخيم ذاتها على حساب «الفرد» الذي هو من أنتج هويتها من خلال إبداعاته التي يقدمها قرابين لصالح الهوية المتخيلة أو الجماعة التي ينتمي لها.

وعلى ذلك نكتشف الخلل الكامن الذي تعاني منه بعض المجتمعات عن غيرها، وما هو سرّ تقدم هذه الأمة وتخلف تلك؟ وما هي مكانة الفرد في تشكيل هوية الجماعة؟ هل هو المنطلق في رؤيتها أم هو تابع ويستمد قوته منها ولا قيمة له إلا بها؟ وبذلك فإن رد الاعتبار للفرد هو سرّ وركيزة تقدم وتطور المجتمعات في كافة المجالات، حيث تشكل قوة الأفراد في أي جماعة قوة للمجتمع الحاضن لهذه الكفاءات، وليس العكس.