الشيخ الصفار يتساءل: لماذا لا يهتم الإنسان بداخل نفسه كما يهتم بالعناية بجسمه؟
قال الشيخ حسن الصفار: إن النفس هي التي تقود الجسم وتحركه، وهي التي ترسم مسار حياة الإنسان، وتشكل شخصيته، وتحدد سلوكه.
وتابع: إن الإنسان غالبًا ما يغفل عن الاهتمام بالبعد الآخر من ذاته وشخصيته، وهو البعد الداخلي النفسي. وهو البعد الأهم والأكثر تأثيرًا على حياته ومستقبله.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: الاهتمام بداخل الذات.
وأوضح الشيخ الصفار أن مهمة الدين، ووظيفة القيادات الدينية، إثارة اهتمام الإنسان بداخل ذاته وعدم الغفلة عنه.
وتابع: إن من يهتم بداخل ذاته، فينمي فيها النزعات الخيرة، ويكبح جماح الأهواء والشهوات، ويقوّم تصوراته وانطباعاته، ويحاكم سلوكه وتصرفاته، ويستحضر الله في قلبه، ويفكر في وقوفه بين يديه، فسيكون رابحًا في حياته وفائزًا في آخرته.
وأضاف: أما من يغفل عن نفسه، ويطلق العنان لشهواته وأهوائه، فسيخسر دنياه وآخرته.
وقال: إن الاهتمام بداخل الذات يجب أن يكون هو الشغل الشاغل للإنسان طوال حياته، ومهما كانت منزلته ومقامه.
وتابع: لذلك نجد أن الأنبياء والأئمة والأولياء الذين يوجهون الناس للاهتمام بدواخل ذواتهم، هم أنفسهم الأكثر اهتمامًا بذلك.
وأضاف: إنهم يواظبون على العبادة والتهجد وذكر الله سبحانه، ومحاسبته أنفسهم أمام الله تعالى، كما نقرأ في سيرتهم وأدعيتهم ومناجاتهم.
واستشهد بما ورد عن النبي ﷺ الذي كان أقرب الخلق إلى الله وأحبهم إليه، فإنه يستغفر الله مائة مرة كل يوم، ويتوب إليه سبعين مرة من غير ذنب.
وأبان سماحته أن للإنسان بعدين في هذه الحياة، بعدًا ظاهريًا ماديًا يتمثل في جسمه، بصورته وحواسه وأعضائه، وبعدًا داخليًا نفسيًا يتمثل في رؤاه وتصوراته ومشاعره وأحاسيسه.
وتابع: عادة ما يفرض الاهتمام بالبعد الظاهري «وهو الجسم» نفسه على الإنسان، فالحاجات البيولوجية شديدة الإلحاح على الإنسان، كالحاجة إلى الطعام والشراب والملبس والمأوى، والرعاية الصحية، وتحقيق الرغبات العاطفية.
وأضاف: وينشغل بتلبية هذه الحاجات، ويهتم بالعناية بجسمه، بتحصينه من العلل والأمراض، والحفاظ على صحته، وجمال وأناقة مظهره، وتوفير الرغبات ومتطلبات الراحة.
وتابع: لو توفرت للإنسان كل مقومات الصحة الجسمية والأناقة الجمالية، وحاز مختلف الإمكانات المادية، لكنه كان مريض النفس، فإنه سيعيش القلق والاضطرابات، ويفقد الطمأنينة والتوازن في حياته وسلوكه.
ومضى يقول: إن كثيرًا ممن يعانون الأزمات النفسية، ويصيبهم القلق والاكتئاب، لا تنقصهم القدرات الجسمية ولا الإمكانات المادية، لكن أزماتهم النفسية تكدر صفو حياتهم، وتمنعهم من التمتع بها، وقد يلجأ بعضهم إلى الانتحار، أو الانكفاء والعزلة والانطواء.
وتابع: حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة من حالات الانتحار تحدث في بلدان مرتفعة الدخل، وهناك تزايد في إقبال النجوم والمشاهير على الانتحار.
وأضاف: كذلك هو حال من يقع في براثن الإدمان على المخدرات، أو يتورط في ممارسات الإجرام، فيدفع حياته وراحته ثمنًا لانحرافه وإجرامه.
وبمناسبة مرور ذكرى وفاة الإمام علي بن موسى الرضا قال سماحته: إن في سيرة الإمام الرضا نموذجًا مشرقًا للاهتمام بداخل الذات، يتجلى ذلك من خلال برامجه العبادية ومكارم أخلاقه.
وذكر أن أحد مرافقي الإمام إلى مرو وصف حالته قائلا: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ ذِكْراً لِلَّهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ مِنْهُ وَلاَ أَشَدَّ خَوْفاً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ.
وتابع: إن أهم ما نستفيده من إحياء ذكرى الإمام الرضا ، هو استحضار سيرته العطرة، لنسعى للاقتداء به، وأن نهتدي بتعاليمه وتوجيهاته.