آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الأطفال الرضع يوظفون رائحة أمهاتهم ليروا وجوههن

عدنان أحمد الحاجي *

18 يوليو 2024

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 171 لسنة 2024

Research Shows Young Infants Use their Mother’s Scent to See Faces

July 18,2024

يرى الناس ماحولهم من خلال حواسهم الخمس، ولكن كيف ومتى نشأت القدرة على الدمج بين مدخلات كل الحواس لا زال موضع نقاش. تبين الدراسات أن الناس يدمجون المدخلات «المعلومات» الحسية معًا، خاصة عندما تكون إحدى الحواس غير قادرة وحدها على إنتاج استجابة كافية للمثيرات «المنبهات» الخارجية. بينت الدراسات أيضًا أن الرضع قد يستخدمون إشارات من أكثر من حاسة «متعددة الحواس» للإحساس بما في المحيط بشكل أكثر كفاءة. دراسة جديدة [1]  نُشرت في مجلة نمو الطفل Child Development أجراها باحثون في جامعة بورغندي Université de Bourgogne الفرنسية وجامعة هامبورغ الألمانية، وجامعة ليون الفرنسية والمعهد الجامعي الفرنسي، وجامعة لورين الفرنسية، ومركز مستشفى نانسي، والمركز الوطني للبحث العلمي CNRS» تتبعوا كيف ومتى يوظف الأطفال الرضع الذين يتراوح سنهم بين 4 و12 شهرًا رائحة أمهاتهم للتعرف على وجوههن.

ساعدت النتائج الباحثين على التأكد من أن القدرة على إدراك الوجوه حسيًا تتحسن بشكل كبير بين سن 4 و12 شهرًا، حيث استفادة هؤلاء الأطفال الصغار في هذا السن «4 - 8 شهور» من روائح أمهاتهم في التعرف عليهن تبلغ الذروة. وتفيد الدراسة أيضًا إلى أن الأطفال الأكبر سنًا «أكبر من 8 شهور» يتعرفون على وجوه أمهاتهم بكفاءة من خلال المعلومات البصرية، ولم يعودوا يحتاجون إلى الاعتماد على إشارات «حواس» أخرى مصاحبة [كالشم».

أتيحت لجمعية الأبحاث في تنمية الطفل [2] [SRCD الفرصة لمناقشة هذه النتائج مع الدكتور أرنو ليليو Arnaud Leleu، الأستاذ المشارك في علم النفس وعلم الأعصاب ورئيس مختبر تطوير التواصل الشمي [3]  والإدراك [4]  DOCC» بمركز علوم التذوق والشم والتغذية «CSGA» في جامعة بورغندي في مدينة ديجون، في فرنسا.

سؤال من SRCD: ما الذي دفعك إلى دراسة الحواس المتعددة لدى الأطفال - وخاصة حاسة الشم؟

دكتور ليليو: لدي اهتمام من مدة طويلة بدراسة كيف يعمل الإدراك الحسي [5]  في دماغ الإنسان. على الرغم من بساطته الظاهرية «على سبيل المثال، نفتح أعيننا لنرى»، فإن الإدراك الحسي هو قدرة معرفية عصبية [كالاستماع والانتباه] معقدة ومستمدة من الخبرة السابقة من المدخلات الحسية المختلفة والمتزامنة من جميع الحواس. لذلك، فإن تحديد معالم كيف يعالج دماغ الرضيع الصغير المدخلات من حواس متعددة أمر بالغ الأهمية لفهم الإدراك الحسي من حواس مختلفة وتطوره حتى مرحلة الرشد [20 سنة، بحسب التعريف]. بالإضافة إلى ذلك، الأبحاث في الإدراك الحسي من حواس متعددة تركز بشكل أساس على حاستي السمع والبصر، وهما حاستان ”مهيمنتان“ لدى البشر مقارنة بحاسة الشم، والتي اعتبرت لفترة طويلة ضعيفة من ناحية الأداء عند البشر. ومع ذلك، تشير الأدلة المتراكمة إلى أن حاسة الشم تعمل بشكل خاص عند الأطفال الرضع، على الرغم من أن الحواس الأخرى مثل حاسة البصر غير ناضجة «لم تصل إلى حد البلوغ» إلى حد كبير. ولهذا السبب فإن الغرض الرئيس من دراستي البحثية هو معرفة ما إذا كانت حاسة الشم تعزز تطور حاسة البصر في دماغ الرضيع وتؤثر فيها وتشكلها.

سؤال: هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن الدراسة؟

دكتور ليليو: في الدراسات السابقة، بينا بالفعل أن الإدراك الحسي السريع للوجوه [التعرف على الوجوه]، والذي يعتبر مدخلًا بصريًا ذا أهمية معتبرة للرضع، يتأثر بإشارة حسية أخرى بارزة جدًا بالنسبة لهؤلاء الرضع، وهي رائحة بدن الأم. ولإثبات ذلك، اعتمدنا على تخطيط كهربية الدماغ [6]  EEG»» وقسنا استجابة عصبية خاصة بالوجه والمعززة بوجود رائحة بدن الأم في دماغ الطفل الرضيع ذي الأربعة أشهر.

هنا، كان هدفنا هو معرفة ما إذا كانت الحاسة الشمية المعززة للحاسة البصرية تضمر تدريجيًا مع نمو الطفل ويصبح أكثر كفاءة في التعرف على الوجوه حسيًا بناءً على المعلومات البصرية فقط، كما هو مثبت سابقًا في الاقترانات الأخرى بين حاستين. قمنا باختبار 50 رضيعًا يتراوحون بين 4 و12 شهرًا. ووجدنا أن استجابة تخطيط كهربية الدماغ الخاصة بالوجه تزيد وتتعقد «تتطور» بين 4 و12 شهرًا، مما يدل على تحسن في التعرف على الوجه حسيًا مع تقدم الطفل في السن. وكما هو متوقع، وجدنا أيضاً أن فائدة إضافة رائحة بدن الأم تناقصت مع تقدم الطفل في السن، مما يؤكد وجود علاقة عكسية بين فعالية الحاسة البصرية للطفل وحساسيته للرائحة المتزامنة معها بشكل عام، يوضح هذا أن حاسة البصر تعتمد بشكل فعال على حاسة الشم عند الأطفال الرضع حتى يصبح الجهاز البصري [7]  فعالًا من تلقاء نفسه.

سؤال: كيف يمكن أن تكون هذه النتائج مفيدة للامهات وأطباء الأطفال ومقدمي الرعاية؟

د. ليليو: بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الدراسات في الإدراك الحسي متعدد الحواس عند الرضع، تكشف النتائج التي توصلنا إليها أهمية التعرض المبكر للمدخلات الحسية المتزامنة عن طريق حواس مختلفة لاكتساب مهارات الإدراك الحسي [8] . مثل هذا التعرض المبكر للاقترانات المتكررة بين حاستين أو أكثر [دمج مدخلات من أكثر من حاسة معًا [9]  هو أيضًا لبنة أساسية للتطوير اللاحق للقدرات عالية المستوى مثل الذاكرة الدلالية [10]  واللغة والتفكير «الاستدلال» المفاهيمي [11] . لذلك من المهم تعريض الرضع لمجموعة متنوعة من إشارات «منبهات» حسية متعلقة بنفس الأشياء في أبكر سن ممكن في حياته. على سبيل المثال، سيعرف الأطفال الرضع بشكل أفضل عن التفاحة وذلك من خلال رؤية شكلها ولونها وسماع صوت تناول قضمة منها، وشم رائحتها والتعرف على شكلها وقوامها من اللمس. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن النتائج التي توصلنا إليها تسلط الضوء على أهمية حاسة الشم في هذا الإنسجام المبكر بين الحواس، لذا ينبغي أخذ كل حاسة من الحواس بعين الاعتبار عند الرغبة في تحفيز الأطفال الصغار واستثارتهم، وليس فقط السمع والبصر.

سؤال: هل وجدت شيئًا أدهشك؟

دكتور ليليو: أكثر ما أدهشني، ليس فقط في هذه الدراسة، ولكن أيضًا في الدراسات السابقة التي أجريناها، حقيقة أن رائحة الأم لها تأثير قوي في الإدراك الحسي للوجوه المختلفة غير المألوفة. بالطبع، ينبغي علينا أن نجري مزيدًا من الدراسات في تأثير الروائح الأخرى، ولكن من المثير للاهتمام أن الدراسات الحديثة من مجموعات بحثية أخرى أكدت الوضع الخاص لرائحة الأم عند الرضيع وذلك من خلال إظهار ردود أفعال منخفضة تجاه الوجوه الخائفة، ومستوى انتباه بصري عالٍ تجاه امرأة غير مألوفة لدى الرضيع، وارتفاع مستوى التزامن بين دماغي الرضيع وتلك المرأة. وهكذا، يبدو أن رائحة بدن الأم تطمئن الرضيع وتعزز اهتمامه حين يقابل أشخاصًا جددًا «غير مألوفين». وبعبارة أخرى، يبدو أن هذه الرائحة الاجتماعية الأولية التي يتعلمها الأطفال بالفعل في الرحم تعزز الإدراك والسلوكيات المحابية للمجتمع [12] ، [كمساعدة الآخرين والشفقة والمواساة والتعاون وغيره].

سؤال: ما هي الخطوة التالية في هذا المجال من الدراسات؟

دكتور ليليو: بالرغم من الجهود التي بذلناها مؤخرًا في هذا المضمار، إلا أن دور حاسة الشم في التطور المبكر للإدراك متعدد الحواس لا يزال غير مفهوم بشكل جيد. هل تأثير الرائحة الذي لاحظناه خاص بالمنبهات الاجتماعية أم أنه ينطبق على أي نوع من المنبهات؟ [المترجم: المنبهات الاجتماعية social stimuli هي منبهات من المحيط تحمل معلومات اجتماعية، كأصوات الناس ووجوههم، وخاصة أعينهم [13] . أي من هذه الاقترانات الجديدة بين حاستي البصر والشم تظهر أثناء النمو كلما تغيرت البيئة الحسية للرضع «على سبيل المثال، عندما يبدأ الرضع بالزحف ثم بالمشي»؟ هل الروائح تثير الذكريات في بواكير حياة الطفل، كما هو مذكور بشكل عام عند الراشدين «ظاهرة برواسي Prousy الشهيرة والمعروفة ب ”ذاكرة السيرة الذاتية الاإرادية“. ومنها، مثلًا، لو صادف شخص شيئًا الآن قد تعرض له أو مر عليه في الماضي، فإن من شأنه أن يذكِّره بذلك الشيء الذي صادفه في الماضي [14] .»؟ هل هذا متعلق بقيمة الأم العاطفية القوية؟ [المترجم: القيمة العاطفية emotional value هي قدرة الإنسان على التأثير في مشاعر من حوله. تتميز القيمة العاطفية بالقدرة إما على توفير الراحة وجلب السعادة وتحقيق الاستقرار أو إثارة الإرباك والغضب والإحراج لدى الآخرين [15] ] لا يزال هناك الكثير مما يتعين علينا القيام به، ونحن على ثقة من أن عملنا البحثي سوف يمهد الطريق للدراسات المستقبلية.

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  https://srcd.onlinelibrary.wiley.com/doi/10,1111/cdev.14124

[2]  https://www.srcd.org

[3]  https://ar.wikipedia.org/wiki/تواصل_شمي

[4]  https://ar.wikipedia.org/wiki/معرفة_ «علم_النفس»

[5]  https://ar.wikipedia.org/wiki/إدراك_حسي

[6]  https://ar.wikipedia.org/wiki/تخطيط_كهربية_الدماغ

[7]  https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_الرؤية

[8]  https://ar.wikipedia.org/wiki/التعلم_الإدراكي_الحسي

[9]  https://byjus.com/question-answer/what-is-intersensory-association/#

[10]  https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_دلالية

[11]  ”في علم النفس التنموي، يُشار أحيانًا إلى الاستدلال المفاهيمي conceptual reasoning باسم التفكير المفاهيمي conceptual thinking. وتطور هذه القدرة عند الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة «سنتين إلى سبع سنوات]، في مرحلة النمو التي أشار إليها بياجيهPiaget بمرحلة ما قبل العملية preoperational stage الاستدلال المفاهيمي على أنه شكل أعلى من التفكير يعتمد على المهارات اللفظية. تطور الكلام أساسي لتطوير هذه القدرة. بفضل التفكير المفاهيمي، يستطيع الأطفال معالجة المعلومات اللفظية ويمكنهم من إجراء عمليات عقلية على المواد في هذا المجال. يسمح التفكير المفاهيمي لهم بالبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بين الأشياء، وتصنيفها إلى فئات.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.mdpi.com/2077-1444/14/6/694

[12]  https://ar.wikipedia.org/wiki/استعراف_اجتماعي

[13] https://www.igi-global.com/dictionary/introduction-to-the-core-attention-and-socio-cognitive-deficits-of-autism/111564

[14]  https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_لاإرادية

[15] https://medium.com/@MySuccessEngineer/greater-emotional-value-leads-to-increased-happiness-in-individuals-68219b7b12c9

المصدر الرئيس

https://www.srcd.org/news/research-shows-young-infants-use-their-mothers-scent-see-faces