آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

المثقفون والمبدعون.. ما يفرّق أكثر مما يجمع

محمد الحرز * صحيفة اليوم

هل جمعت الأيديولوجيات والأحزاب والأفكار، الكتاب والمثقفين؛ أكثر مما جمعهم الإبداع؟ سؤال طرحه أحد الأصدقاء في واحدة من الجلسات التي كانت تضمنا مع لفيف من المثقفين والمبدعين في إحدى مقاهي المدينة، ومع أن أغلب إجابات الحاضرين من الأصدقاء تمحورت حول البعد الذاتي في تجاربهم الشخصية الثقافية والإبداعية التي تركزت في الكثير منها على مواقف وأحداث وقصص استخلص منها الحاضرين فكرة التنازع التي تسيطر على المبدع والمثقف، مرة باسم اختلاف الرأي ومرة باسم اثبات الوجود الذاتي، لكن بالنهاية اعتبروها نوعا من الأمراض التي تصيب الحياة الثقافية ولا فكاك منها على الإطلاق.

لكني في هذه المقالة سأجيب انطلاقا من بعد آخر أكثر موضوعية وأكثر شمولية حسب ما أراه مهما للإجابة عن السؤال.

فأقول: لم يحدث في تاريخ الأدب تحديدا أن أصبح الإبداع جامعا للمبدعين إذا كنت أفهم الإبداع هنا فكرة أو مثال تسعى إلى تحقيقها مجموعة من المبدعين، أخلصوا لها ودافعوا عنها بكل ما عندهم من طاقة إبداعية، رأينا يحدث ذلك مع التيارات التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية مع السوريالية والدادائية..ألخ. ومع ذلك لا يمكن أن نفهم من كلمة «الجمع» أنهم منسجمين تماما لاعلى مستوى الخطاب ولا على مستوى السلوك، والشواهد كثيرة، ولا أظن فئة المثقفين والكتاب يشذون عن المبدعين، بل المثقف أو الكاتب أكثر انفلاتا وابتعادا إذا ما وضعناهم إزاء المبدعين، فهؤلاء الأخيرين عادة حدود تأثيرهم وارتباطاتهم لاتتجاوز حدود ما يكتبون أو حدود الأفكار التي يتداولونها ضمن مجموعاتهم المؤطرة، وإذا كان لهم تأثير في محيطهم فعادة ما يكون محدودا، بينما أصحاب الأفكار الكبرى الذين يسعون إلى تطبيقها سواء عبر الفكر الاجتماعي أو الديني أوالسياسي، فالمصلحة والمنفعة واستثمار كل الاستراتيجيات في الحياة هي أسلحة في أيديهم؛ كي يحققوا ما يريدون، ناهيك أن الأفكار الكبرى التي تنطوي تحتها الأيديولوجيات لا تتحقق في الحياة العملية إلا بهذا الطريق، وهذا يترتب عليه «أي المثقف» الدخول في صراعات يضطر بوعي أو بدونه من أجل أن يصل إلى مبتغاه. ناهيك أن انخراط المثقف تحت لواء هذه الأيديولوجيات أو الأحزاب والاقتناع بها من العمق سيجعله دائما تحت الأنظار سواء أمام السلطة السياسية إذا كان مجاله في السياسة أو أمام المجتمع إذا كان مجاله الفكر الثقافي والديني، والشواهد كثيرة في التاريخ البعيد والقريب، ولا حاجة لنا لعرضها لأنها معروفة للجميع، لذلك من الصعوبة بمكان الوثوق بإمكان وجود نماذج من المثقفين والمبدعين يكونون بعيدين عن الصراعات، إلا إذا اعتبرنا أن مسألة الجمع هنا قائمة على مبدأ أخلاقي، وهذه مسألة أخرى، يمكن التمثيل لها بفكرة الالتزام «السارتري» التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم عند مثقفي اليسار في ستينات القرن المنصرم، كانت تعني فيما تعنيه عند المثقفين العرب الالتزام بقضايا الأمة كالتحرر من المستعمر الأمبريالي والسعي لتوعية جموع العمال والتحرر من براثن الطبقية، وعند الأدباء يكون العمل الأدبي مهموما بقضايا الناس التي تقف حائلا عن تقدمهم وتنميتهم في جميع المجالات، لكن ما لم يدركوه أو أنهم تغافلوا هو أن فكرة الالتزام نفسها قائمة على فلسفة فينومولوجية أثرت على سارتر وغيره، في لحظة كان فيها المجتمع الغربي تجاوز فيها ثنائية الإستبداد والحرية التي كان أولى للمثقفين والمبدعين الالتزام بها في حينه.