آخر تحديث: 16 / 9 / 2024م - 9:33 م

عبدالله «5»

رضي منصور العسيف *

دعني أخبرك بشعوري الحقيقي عندما استلمت نتيجة الثانوية..

قلت له: لقد قلت لي ذلك في الحلقة السابقة، وهل هناك مفاجأة أخرى؟!

قال عبدالله: نعم، في تلك السنوات كانت النتائج يتم إعلانها عبر الصحف المحلية كجريدة اليوم، كنت أنتظر وصول الجريدة لإحدى البقالات في القطيف، وفي الصباح الباكر ذهبت واشتريت الجريدة... تصفحتها وكانت الصدمة كما قلت لك سابقا لقد نزل معدلي أو نسبتي وأصبحت 82% شعرت ببداية الخيبة والهم...

ذهبت للمدرسة لاستلام النتيجة أو ملف التخرج... استلمت شهادة الثالث ثانوية ونظرت إلى النسبة 82% وهنا شعرت بالألم والحزن... قبل ساعات كنت أقرأ النسبة والآن أراها أمامي... هل تتخيل معي؟!

قلت: لم أفهم ما تقصد؟

قال عبدالله: كانت الشهادة بمثابة الجمرة التي وطأت عليها فكانت محرقة ليست لقدمي فقط بل لكياني... وصلت الحرارة لمخي... أردت أن أصرخ بأعلى صوتي وأقول «لماذا، أنا لم أكن كسولا... كنت مجتهداً... ذاكرت... بذلت جهدي... لماذا... لماذا...»

عدت للبيت حاملا هما وغماً...

نظرت لي والدتي وقالت: هل نجحت؟!

قلت: ليتني رسبت ولا أخذت هذه النسبة...

سألتني والدتي: كم نسبتك؟

قلت: 82%

قالت: «ويش يعني» ما تدخل الجامعة؟!

جاء أخوتي... نظروا لي... وقالوا لا تحزن سيكون لك رزق في الجامعة...

ذهبت لغرفتي... وألقيت بجسدي على السرير وأنا أردد «ليش، ليش...» لم أكن بالطالب الكسول... 82% ماذا أعمل بها... حرام عليكم... غلبني النوم ودموعي على خدي...

جاءت أمي أيقظتني... هيا يا ولدي قم للغذاء... أنت منذ الصباح لم تأكل شيئاً...

قلت لها: لا أشتهي....

جاء أخي وقال: عليك أن تأكل... لا يهبط عندك السكر...

صرخت... «خليه يهبط، خليه...»

قلت له: هل هذا يعني أن السكري كان له دور سلبي في الثانوية... هل كان السبب في نزول نسبتك «معدلك»؟

قال عبدالله: لا لم يكن السكري بالصديق الشرير... كان معي مسالماً متعايشاً... لم يخذلني يوما ما... ولكن كنت أعيش حالة من القهر والحزن ولذلك قلت «خليه يهبط»...

سألته: سبق وأن قلت لي أنك اختبرت في جامعة البترول، ماذا كانت النتيجة؟

قال عبدالله: نعم، بعد أن استلمت الشهادة اتصلت على الجامعة، وبعد عدة محاولات جاء الرد، نسبتك في الامتحان لا تؤهلك لدخول الجامعة...

من هنا بدأ المشوار «الصعب» مشوار مليء بالتعب والإحباط...

بدأت مشوار التقديم في الجامعات بجامعة الملك فيصل بالأحساء، يومها كان أخوتي والأصدقاء يدرسون في الجامعة وكنت أتمنى أن أكون معهم... وصلنا الجامعة وإذا بي أرى الازدحام والحر والفوضى، وقفت مع تلك الجموع من الطلاب في ذلك المسار الطويل، حتى وصلت للموظف الذي يعطيك نموذج التقديم في الجامعة، لم تكن هناك طاولات تكتب عليها.. صرت أملأ النموذج وأنا واقف، حتى وصلت لطاولة تسليم النمودج... أعطيته ملفي... تصفحه.. ثم قال: هذه النسبة ربما لا تؤهلك لدخول الجامعة... ربما نتصل بك إن كان لك حظا معنا...

رجعت إلى البيت بعد هذا التعب وأنا غاضب مما رأيت... أهكذا يكون النظام في الجامعات؟! كنت أظن أني سأذهب لمن يرحب بالطلاب ويثني عليهم بكلمة تشجيع أو كلمة تقوي من عزيمتهم، أو كلمة تفتح لهم آفاقاً جديدة... ولكن كانت صدمة أن ألتقي بذلك الموظف الفظ الغليظ...

ذهبت لجامعة الملك سعود بالرياض ولأن نسبتي 82% فقالوا من البداية نعتذر عن قبولك، دون أي نقاش، لم يسمح لي بالتحدث مع الموظف...

كنت أرى الأبواب تغلق أمامي... فبعد عدة مراجعات لجامعة الملك فيصل، تم إعلان النتائج ولم يكن اسمي ضمن المقبولين... قلت: تباً لك من موظف...

الأيام تنقضي ولا أزال أبحث عن مقعد في الجامعة... تذكرت كلام أخي للمدرس «أتقبل أن يجلس أخوك في البيت بعد التخرج من الثانوية، أتقبل أن لا يحصل على مقعد في الجامعة»

بقي أمامي أن أقدم في الكليات الأخرى، قدمت في كلية المعلمين تخصص «محضر مختبر» لأن نسبة هذا التخصص هي أقل نسبة وربما أجد لي مقعداً، إلا أن النتيجة كانت سلبية...

قدمت في الكلية الصحية بالدمام وكان الازدحام والفوضى تعم المكان، نقف أمام إحدى البوابات نصف ساعة وفي الحر الشديد ثم ينادي الموظف الذي معدله «...» يذهب للبوابة الثانية... نذهب البوابة الثانية نجدها مغلقة، ننتظر لعل أحدهم يأتي ويستلم أوراقنا... فجأة نسمع أن البوابة الأولى بدأوا يستلمون الأوراق... وهكذا كانت الأوضاع في قمة الفوضى... والنتيجة: رجعت إلى البيت بعد قضاء ساعات طويلة في الحر الشديد والتعب، والصداع...

سألتني أمي هل أخذوا ملفك...

أجبتها: لا...

ذهبت لكلية الجبيل الصناعية وفي ذلك الوقت لم تكن الكلية معروفة ولذلك قلة هم الطلاب الذين يقدمون فيها... قدمت أوراقي، ودخلت الامتحان... انتظرت نتيجة الامتحان حيث ستظهر بعد ساعتين...

الحمد لله ظهر اسمي في قائمة الناجحين... ولكن بقي عليي أن أجتاز المقابلة الشخصية... دخلت المقابلة ولا أعلم ما حدث وماذا قلت؟... خرجت من المقابلة وأنا قلق...

كنت أخاطب نفسي: أنا أمسك بخيط القبول... أرى أمامي مقعد دراسي، هل سيكون من نصيبي... هل سأنجح في المقابلة... يا رب وفقني..

عدت للبيت... وعلامات القلق بادية على ملامح وجهي... سألوني ماذا عملت؟

أجبتهم نجحت في الامتحان ودخلت المقابلة.

قال أخوتي ممتاز...

قلت ولكن امتحان المقابلة....

قالوا ما به؟

قلت: أنا قلق... ربما...

قال إخوتي: المقابلة شكلية.. حتماً سيكون لك نصيب...

بعد أيام ظهرت نتيجة المقابلة... وكانت النتيجة: سلبية فلم أجد اسمي في قائمة المقبولين....

بدأت أشعر بالإحباط...

قال لي أحد الأصدقاء... هل قدمت في معهد الإدارة؟

أجبته: لا...

قال: هذه الأيام يوجد تقديم... يمكنك التقديم، سيقبلون نسبتك ولكن عليك اجتياز الاختبار...

قلت: سأقدم... ربما يكون لي نصيب...

قدمت في معهد الإدارة وحصلت على درجة جيدة في الامتحان ولكن كانت هناك مقابلة شخصية، وبعدها سيكون مفاضلة على الدرجات... وهذا ما زاد من توتري... وحدث ما كنت أخشاه.. لم أوفق للنجاح في معهد الإدارة أيضا...

عدت للبيت في ذلك اليوم وأنا في قمة الإحباط... لماذا يحدث لي كل هذا... لماذا الأبواب موصدة في وجهي... ما عملت حتى يكون هذا مصيري... لم يبق إلا أسبوعان وتبدأ الدراسة وجميع الكليات والجامعات التي قدمت فيها كانت نتيجتها سلبية... أيعقل هذا...

دخلت البيت متجهاً لغرفتي وأنا غارق في التفكير... لم أشعر بمن هو جالس في الصالة.. أغلقت الباب.. أردت أن أرتاح قليلا.... استلقيت على السرير... وإذا بي أسمع محادثة بين أمي وأخوتي... ”هذا عبدالله قدم في جميع الجامعات ولم تقبله أي جامعة... لو أنه أعاد السنة كما فعل فلان لكان أفضل إليه... غدا ستبدأ الدراسة... أين سيذهب.. سيبقى معي في البيت... كل الشباب في المدارس والجامعات إلا هو... جالس في البيت... حظه...“ كانت هذه المحادثة بمثابة عود الثقاب الذي أشعل المتفجرات في داخلي... لقد انفجرت... وخرجت وأنا أصرخ بأعلى صوتي... وأخذت ملفي وأنا أصرخ... ماذا أعمل... شوفوا لي حل... تعبت من البحث... ما هو ذنبي... هل كنت طالب كسلان... هذا الملف... أردت أن أمزق الشهادات لولا أن أخي أخذني وهدأ من غضبي...

ثم قال أخي: أرجوك يا أمي... يا إخوتي... لقد عمل عبدالله كل ما بوسعه... لكن لم يأت رزقه الآن... ربما يكون له نصيب في الأيام القادمة... ثم نظر لي وقال: عبدالله ما رأيك أن تذهب معنا للمدينة المنورة.. بعد يومين سنذهب مجموعة من الشباب للمدينة..

قالت أمي: الله يريح بالك يا ولدي... ويكتب لك الخير... نعم إذهب معهم...

لم أتحدث...

قال أخي: عبدالله ما رأيك... لا تحزن سيكون هناك حل...

نظرت إليه: إن شاء الله... سأذهب معكم...

ذهبت للمدينة المنورة والحمد لله هدأت نفسيتي... ارتحت من هموم التقديم في الجامعات... قضيت مع الشباب أياماً هادئة كنت أصلي وأقرأ الأدعية والقرآن... دعوت الله أن يوفقني...

عند عودتي للقطيف سمعت أن هناك قبولاً مباشراً في الكلية التقنية بالدمام... سارعت وذهبت للكلية وقدمت أوراقي...

وكانت المفاجأة... تم قبولي... قال لي الموظف هذا جدولك ويمكنك البدء في الدراسة من اليوم... هيا اذهب للقاعة....

عدت للبيت وأخبرت عائلتي بقبولي في الكلية التقينة....

فرحت أمي... بل فرح جميع أفراد العائلة....

ولكن هذه الفرحة استمرت شهرين.... بعدها سحبت ملفي من الكلية وعدت للبيت...

قال أمي: ليش يا ولدي... ليش...

للقصة بقية

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف