مسلسل القتل والتجويع يتواصل في غزة
رغم تصاعد الحديث في الأيام الأخيرة، عن قرب التوصل لصفقة، ترعاها الولايات المتحدة ومصر وقطر، يتم بموجبها الإفراج عن الأسرى، لدى حركة حماس، مقابل وقف دائم لإطلاق النار، وعودة السلام إلى ربوع القطاع، فإن موقف حكومة نتنياهو، لا يزال يشكل معوقاً رئيسياً لإتمام هذه الصفقة.
يبدو، موقف نتنياهو غريباً، لمن تغيب عنه حقيقة الأوضاع والصراعات التي تفتعل داخل إسرائيل. فالحرب التي شنّتها حكومة نتنياهو، على حركة حماس، والتي مضى عليها أكثر من عشرة أشهر، لم تحقق أياً من غاياتها، والنصر الكامل، الذي وعد رئيس الحكومة الإسرائيلية بتحقيقه، بات في حكم المستحيل.
لقد تأكد بما لا يقبل الجدل، أن نتنياهو أبعد كثيراً عن تحقيق نصره، وأن حركة حماس لا تزال تحتفظ بقوتها العسكرية، رغم عنف وشراسة الضربات، التي تعرض لها قطاع غزة، والتي تكفلت بالقضاء على أربعين ألفاً وتسعين ألف جريح من المدنيين الفلسطينيين، جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
لم يكن أحد، من المناصرين لحكومة إسرائيل، يتصور أن حركة حماس، ستكون قادرة على ضرب تل أبيب، وأن تصيب صواريخها أهدافها، بعد عشرة أشهر من حرب الإبادة، التي تشنّها حكومة نتنياهو. وبات الكثير من الإسرائيليين، يتساءلون عن جدوى استمرار هذه الحرب، خاصة بعد الفشل في التوصل إلى صفقة مع حماس، يعود بموجبها الأسرى، إلى عوائلهم.
تتعدد الأسئلة، باتجاهات أخرى، كيف ستتصرف حكومة نتنياهو، وهي التي فشلت في احتواء حركة حماس في شريط صغير، هو قطاع غزة، مع حرب إقليمية، لا يستبعد حدوثها، بل بات من المألوف، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع الحديث عن حتميتها بشكل متكرر، من قبل إيران وحزب الله، والقوى المساندة لهما. ولغياب الأجوبة عن هذه الأسئلة، صارت السهام توجّه إلى نتنياهو نفسه، الذي لا يزال يستخدم لغة الحرب، ويرفض التوصل إلى تهدئة بالقطاع، تعيد السلام والوئام لشعبها المكلوم.
في هذا السياق، يرى كثير من المحللين، أن سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التي اعتمدت الهروب للأمام، تتفادى لحظة ما بعد وقف إطلاق النار، لكونها ستكون لحظة السؤال والمحاسبة.
لقد عبرت حماس، المحاصرة منذ فترة طويلة في القطاع، إلى غلاف غزة، وتمكنت، بهجوم نوعي ومنسق، من الاستيلاء على مستوطنات الغلاف في عسقلان وما يجاورها، في عملية أطلق عليها طوفان الأقصى، أطلق خلالها أكثر من 3000 صاروخ، وتسلل على إثرها أكثر من 2500، من المقاتلين الفلسطينيين التابعين لحماس، عبر سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية وطائرات شراعية، على البلدات المجاورة للقطاع، وسيطروا على سديروت وأوفاكيم ونتيفوت، وخاضوا اشتباكات عنيفة في تلك المستوطنات، ومستوطنات أخرى، وأسروا عدداً كبيراً من الجنود، واقتادوهم لغزة، كما غنموا عدداً كبيراً من الأليات العسكرية. وقد أسفر الهجوم عن مصرع أكثر من 1400 من الإسرائيليين.
هذه التفاصيل التي أشرنا إليها، ليس الهدف منها استعراض ما جرى، في السابع من أكتوبرمن العام الماضي، بل توضيح الخيبات التي يواجهها نتنياهو، والتي تدفع به الآن إلى الاستمرار في الحرب.
لقد اعتادت إسرائيل، بعد كل منازلة بينها وبين الفلسطينيين والعرب، أن تجري جردة حساب كبيرة، ولا تنتهي تلك الجردة إلا بعد الإطاحة برؤوس كبيرة، تشمل قادة ومسؤولين عسكريين تسببوا في إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال. والكل يتذكر الحرب الإسرائيلية التي شنّها مناحيم بيغن على لبنان، عام 1982، والتي أطلق عليها عملية السلام للجليل وانتهت بغزو بيروت.
صمدت المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة الغزو ثمانين يوماً، لكن الإسرائيليين تمكنوا من الوصول إلى العاصمة اللبنانية. ومع ذلك شهدت فترة ما بعد الحرب، تحقيقات ومحاكمات، انتهت بإحالة عدد من الضباط الإسرائيليين إلى السجن، بتهمة التقصير، عن أداء مهماتهم في عملية الغزو.
وتكرر ذلك، بعد حرب تموز، عام 2006 بين جيش الاحتلال، وقوات حزب الله، حيث قامت إسرائيل بمحاسبة الضباط الذين فشلوا في تحقيق أهداف ذلك الهجوم.
ما نخلص له من هذه القراءة، أن مسلسل حرب الإبادة والتجويع الذي يمارسه جيش الاحتلال في غزة، لا يستهدف القضاء على حركة حماس، الذي ثبت بالدليل استحالة تحقيقه، ولكن رغبة نتنياهو تأجيل لحظة المحاسبة، على الخلل الأمني والاستخباراتي الذي حدث في السابع من أكتوبر، وهو خلل لا يجد له تفسيراً، سوى الثقة العمياء والغطرسة والغرور، والنظرة الدونية للفلسطينيين، وهو وفقاً لما كان من المألوف سابقاً، من المستحيل التغاضي عنه والتسامح فيه. ولحظة محاسبة نتنياهو قادمة لا محالة. ونتيجتها المحتمة نهاية حياته السياسية، في أحسن الأحوال بالنسبة له، أو الزج به في السجن بتهم الفساد والتقصير، في أسوأ الأحوال.
حرب الإبادة التي تمارسها حكومة نتنياهو، قد تطيل معاناة الفلسطينيين في القطاع والضفة، لكنها لن تمنع لحظة المحاسبة، أما حق الفلسطينيين في الحياة الكريمة، وتقرير المصير، فلن يصنعه الكبار، بل هو حق يكتسبه الفلسطينيون، بالمزيد من الصبر والصمود.