آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 8:39 م

نبض الصمت والعزلة!

بدرية حمدان

في حضرة العزلة والوحدة، صمت، ترتسم فيه ملامح الحياة بشكل أكثر عمقًا ووضوحًا، حيث تنبض الحياة بنبضات هادئة تستعيد فيها كل معانيها التي تُفقد وسط ضجيجها وصخبها.

في العزلة تتناغم الروح مع الطبيعة، فنبضات القلب تعانق لحًنا خفيًا يحكي أسرارًا لحكايات الزمن، يتردد صداها من خلال رحلة التأمل والتفكير.

العزلة ليست مجرد غياب أو مجافاة للآخرين بحيث يكون الفرد بمنأى عن محيطه في جزيرة نائية بعيدة، بل هو في قلب المحيط يعيش كل أحواله وتقلباته يؤثر ويتأثر.

فالعزلة تعني رحلة إلى الأعماق واكتشاف الذات، وكيفية التعامل معها ويعتمد ذلك على الشخص نفسه ومدى ارتباطه بذاته.

فتأثير العزلة على الروح يحمل في طياته جوانب منها سلبية وأُخرى إيجابية، كما يمكن أن يكون التأثير مزدوجًا.

الخلوة تُعد من الضروريات التي يحتاج إليها الإنسان من أجل تحقيق التوازن النفسي والعقلي، وهذا الاحتياج متفاوت، ويختلف من شخصية إلى أُخرى بناءً متطلبات الحياة وظروفها، لكنه ذو أهمية كبيرة لرفع كلفة الضغوطات النفسية والمشتتات للأفكار.

لحظات الخلوة يجب أن تكون ضفة عشبية خضراء تنسجم فيها المشاعر مع أنغام الصمت الصادرة من القلب لتتحول لهمسات تضفي على القلب الراحة والطمأنينة والسكون النفسي، والصفاء الذهني، هي حوار صادق بين الذات والطبيعة؛ وبالتالي تكون ملاذًا للتجديد والتطوير، بل إن الوحدة في كثير من الأحيان تكون مصدرًا للإلهام يرى فيها الإنسان نفسه بشكل أعمق، يفهم من خلالها مشاعره، ويحدد أهداف حياته بشكل أفضل.

من الشواهد الكثيرة التي يمكن الاستدلال بها على القيمة المعنوية للعزلة والاعتزال، وإنها نوع من التعويض الإلهي والفيوضات للذكر لا للحصر، كما جاء في قصة نبي الله موسى إذ اعتزل قومه أربعين يومًا ليأتي ومعه الألواح التي هي تبيان لكل شيء، ونوح اعتزل قومه ليصنع السفينة التي حملت البشرية لتستقر في وادي الأمان، نبينا محمد ﷺ اعتزل قريش ليختلي بربه فحباه الله برحمته. ليكون رحمة للعالمين.

في مقابل ذلك يمكن الإشارة إلى الجانب السلبي للعزلة والوحدة المفرطة التي تؤدي إلى انفصال عاطفي، وشعور بالملل والفراغ، وينتاب المرء حالة من الشعور بالحزن، ويكون عرضة للأفكار السيئة التي تدهور الحالة النفسية.

من الحكمة أن يخصص المرء لحظات من يومه ولفترات بسيطة يختلي فيه بنفسه لترتيب أفكاره وإعادة توازنه بهدف التجديد والتطور مع ضرورة البقاء على اتصال بالآخرين وبحياته الاجتماعية.

1518 من كتاب المحاسن عن بصير قال: قال أبو عبد الله : ”العزلة عبادة، وإنّ أقل العيب على المرء قعوده في منزله“. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار.

الصمت في حد ذاته عزلة ناطقة تعطي بلاغة في التعبير وكما ورد في ميزان الحكمة عن الإمام علي : ”أكثر صمتك يتوفر فكرك، ويستنر قلبك، ويسلم الناس من يدك“.

خلاصة ما ذكر سابقًا، عشق الوحدة والصمت هو شعور يتجلى في تفضيل البعض للعزلة والهدوء بعيدًا عن صخب الحياة اليومية وضغوطها. قد يكون هذا الميل ناتجًا عن حاجته للتأمل والتفكير العميق، وهذا هو السبيل الذي يسلكه الكثير إذا أراد أن يتخذ قرارًا مصيريًا من أجل أن تكون بوصلته في الاتجاه الصحيح، أو ربما لرغبته في إعادة شحن طاقته بعيدًا عن التفاعلات الاجتماعية. بينما البعض يجد في الوحدة راحة وسلامًا، ومجالًا لتحقيق الإبداع والإنتاجية، كما في حال مبدعي الكلمة من شعراء وكتاب، وهناك آخرون يشعرون بأنها فرصة للاسترخاء والهروب من التوترات اليومية.