آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:15 م

كلاب بطرانه

يسرى الزاير

قول عني ما تقول، إن شئت متخلفة أو رجعية، غير أنني لن أستوعب أبدا ولن أتقبل يوماً أي أمر بالنسبة لي لا منطقي، ففلسفتي في الحياة قائمة بقدر الإمكان على المنطق.

ظواهر غربية غزت مجتمعاتنا من باب التحضر والرقي وفي حقيقة الأمر هي أبعد ما تكون عن ذلك، وكم أتمنى أن تكون ظواهر عابرة فلا تتأصل فينا فنصبح بتقليدنا الأعمى كما هم بعض الغربيين.

فكم هو مستفز للضمير أن تسير في شوارع البلاد المتحضرة، المنظمة، المتقدمة، وبينما أنت في قمة استمتاعك بما حولك من تطور وتقدم على كافة الأصعدة الإدارية والتنظيمية التي تصب مباشرة في صالح المواطن راحته وحريته، وإذ تلاحظ المشردين منتشرين هنا وهناك بين ظلال الأشجار وفوق كراسي الحدائق الحجرية القاسية والأعشاب اليابسة، ذات الأماكن التي تقضي عليها كلاب الناس البطرانة حاجتها!!

مناظر فعلياً جارحة، أولئك الناس تتباهى بكلابها الباهظة الثمن، بفصائلها المتنوعة ومنهم من يلبسها الحلي والأوشحة من أرقى الماركات العالمية، ولا يمكن أن يضع قرشاً في يد معوزة أو لقمة في فم محرومة.

وللمصداقية هنا مكان، فبرغم تلك الفجوة السحيقة بين الميسورين والمشردين ترى بشكل ملحوظ اللجان التطوعية وهي تقوم برعايتهم عن طريق توزيع الطعام والعلاج في أوقات يبدو لي أنها مجدولة لأني شاهدتها عدة مرات في أيام معدودات.

إلا أن ما ساءني هو نقاط تجميعهم، والذي في رأيي غير لائق، حيث كان التجمع في مركز العاصمة وحيث أكثر الأماكن رقياً وازدحاماً بالسياح.

وهذا ما أثار في نفسي نوعاً من الضيق إذ لا يجب أن يحشر عدد كبير من المعوزين في طوابير لا نهاية لها وسط أرقى ميادين العاصمة بانتظار بعض الطعام.

بينما يمر بهم الناس الميسورة معظمهم بكلابهم الذي الحيوان الواحد منهم يكلف ثروة تعيش عدة أفراد من أولئك المعوزين.

فهل بلغ ببعض البشر أن تحَيونوا؟

حيث أصبحوا يألفون الحيوانات، ويعيشون معها ويصرفون عليها ثرواتهم، في حين لا ترف لهم عين على فاقة أوادم مثلهم.

إحدى الظواهر الأخرى هي ظاهرة الوشوم.

والإشارة هنا وهناك بالطبع للغرب ولكن اسمعي يا جارة.

ولن أخوض هنا في أصل الوشوم وتاريخها لأني أتوقع من أي شخص في هذا العصر المتحضر أن تكون عنده فكرة ومرجعية عن ماهية الوشوم أصلها ودلالته، ومن من الناس التي كانت توشم؟ ولماذا قبل الإقدام عليها؟

علماً بأن الوشم ليس موضة عصرية فهو يرجع للعصور الحجرية.

ووجدت آثار وأدوات تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد في أنحاء مختلفة من البلاد الآسيوية وشمال أفريقيا وأوروبا.

فما الذي يدفع بالإنسان المتحضر اليوم بوشم أجزاء من جسده وصل بالبعض لكامل الجسد. لدرجة أن بعضهم لم تعد له ملامح، فقد اختفى خلف وشومه.

المشكلة لا تكمن في الوشوم إن كانت بقصد الإشارة إلى هوية حاملها في أحسن الأحوال.

فمثلاً من ملاحظاتي في أوروبا أن أكثر البشر تعلقاً بالوشم الدلالية التي تحمل شعاراتهم هم الماسونية وكأنهم يتعمدون الإشارة لأنفسهم متباهين بكثرة عددهم خاصة بين المراهقين... إلخ.

ما يعنينا لماذا الأشخاص الأحرار ذوي التعليم العالي والثقافة والأصول الراقية يعملون على إحياء عادات غجرية ودونية عفى عليها الزمان، وكانت وما زالت وستبقى سمة يشار بها لفئات معينة من البشر.

وعندما أقول أحرار لاعتقادي من خلال ملاحظتي أنّ الوشوم الرمزيّة الموحدة دوماً تختصّ بها جماعات أو حركات أو منظمات بعينها، ومنهم عرفت طريقها للأفراد فقاموا يعبرون عن ما يجول في دواخلهم من أفكار وما يلهب ذاكرتهم من مواقف جيدة أو انكسارات بالوشم.

الظاهرة المؤسفة الثالثة: هي التعري!!!

هل كل الغربيين متعرين؟

بالطبع لا.

فهناك الكثير من المحتشمين خاصة خارج العواصم.

في البلدات والقرى قلة قليلة هي من قد يقال عنها متعرية.

وحين أقول تعري أقصد الكلمة حرفياً.

فلا يكاد أن ترى ملابس.

حاولت أن أفهم ما علاقة التقدم بالعري، فلم أجد سوى الحرب الأخلاقية زائد الفجوة بين التعليم والثقافة بجانب الجهل والضياع جواب.

فمن لديه قاعدة ثقافية أو وعي بإنسانيته، فسوف يعلم أنه في العصور الحجرية الغابرة بحث الإنسان عما يستر به نفسه، حتى قامت بعض الأقوام بوشم أجسادها بقصد الستر.

ومؤكد ليس غايتي الحديث عن السلوكيّات الغربية ولا أفكارهم ولا تطورهم، فلم يعد يخفى على عاقل الانحطاط الأخلاقي لدى الأقلية القليلة منهم.

فهم مجتمعات إنسانية ناهضة، متقدمة، متحضرة، نابغة وسباقة ومنافسة على كافة الأصعدة في سبيل الاستحواذ على الريادة العالمية بكل مجال.

فمن الملاحظ بوضوح أن البلدان الغربية في السنوات الأخيرة تولي اهتماما ملحوظاً في الاهتمام بتنشئة الأسرة.

في الوقت الذي غزت مجتمعاتنا ظاهرة الطلاق ما يعني التفكك الأسري وبالتالي ما يترتب عليه من عواقب كانت بالكاد تبان لدينا.

المغزى من هذه المقالة المشتتة الأفكار والمبعثرة السياق...

لكل شابة وشاب أقول:

اجعل لنفسك مرجعيّة فكرية ذات قاعدة متينة منّ المبادئ والقيم تكون حصنك الحصين عن كل من يدفعك للتقليد الأعمى أو الانجراف نحو ظواهر لا تعنيك ولا تشبهك.

فحين تكون لديك تلك المرجعية ستجد نفسك مترفعاً عن كل ظاهرة وسائد.

لن تقتني حيواناً تربيه وتصرف عليه كي يشعرك بشعور ما، شخصياً لا أدركه، غيّر أنني أدرك أنك تأسر حيواناً وتحرمه من طبيعته وبيئته لأجل حالة خاصة وحدك أدرى بها.

وطبعاً هنا استثني حيوانات الحراسة والداجنة الحلوبة التي يمتلكها الإنسان ومكانها المرعى والحظائر.

وقد بلغ بالبعض اقتناء الحيوانات المفترسة والتباهي بذلك!!!

فإلى أين الوصول؟

وهنا يحضرني فيلم لا أذكر عنوانه.. هو ذاك الفيلم الذي يحكي قصة العالم الذي قام بإجراء اختبارات على القرود بغرض رفع نسبة ذكائها إلى أن تفوقت بذكائها المفرط على الإنسان، فقامت بمحاربته واستعمار موطنه انتقاما لسلب حريتها وحرمانها موطنها.

المفارقة هنا:

هل فاضت مشاعرنا وعواطفنا وأموالنا وأوقاتنا على بني جلدتنا كي نغدقها على الحيوان؟!!!

وهل جفّت أحاسيسنا وتصحرت لغتنا وفقدت أوراقنا حتى نسطر معتقداتنا، معانينا وأحاسيسنا وشوماً على جلودنا؟!!!

وهل افتقرنا حتى لم نجد مترين منّ القماش يرتقي بإنسانيتنا، أناقتنا وأذواقنا؟!!!

الغاية:

كان ولا زال وسيبقى السلوك والمظهر للإنسان عنوان.