آخر تحديث: 27 / 10 / 2024م - 6:16 ص

تزوج لكي يقرَأنَ له!

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

أحبَّ القراءة منذ صغره، وكبر معه هذا الحب، ولم تلهه التجارة أو أي أمر آخر عن عالم الكتب. حتى إنه عندما كُفَّ بصره في سن الخامسة عشرة لم يستسلم، وأكمل دراسته بتعلمه للغة برايل الخاصة جنبًا إلى جنب مع الاستفادة من الكتب العادية، حيث كان يطلب من آخرين أن يقرؤوا له.

عبد الوهاب بن محمد المطوع «1934-2016م» من مدينة المبرز بالأحساء. أحب القراءة منذ صغره، فكان يشتري الكتب:“حتى تكاثرت أعداد الكتب التي اشتريتها، فكونت مكتبة باسم جمعية أصدقاء الكتاب”«كتاب شخصيات ناجحة - سلمان الحجي، ص 254». ويضيف:“فكنت أعشق القراءة، وأملك من الإرادة والعزيمة التي تشدني نحو القراءة”.

وقد أسس مكتبة له في سوريا، وأخرى في مصر، حتى يقرأ منهما حينما يسافر إلى هناك. وبسبب شغفه اللامتناهي بالقراءة وعالم الكتب فقد اتفق مع أحد المصريين أن يترك هذا المصريُّ عمله حين يكون عبد الوهاب في مصر حتى يتفرغ للقراءة له، مع التكفل بإعطائه راتبًا مجزيًا لتلك الفترة. بل إنه كان يأخذه معه إلى سوريا كي يقرأ له حين يكون هناك. أما حين يكون في الأحساء فقد كان يطلب من بعض أبنائه القراءة له، وكان ممن قرأ له ابن أخيه «نعيم جواد المطوع»، وهو رجل أعمال وعضو سابق في الغرفة التجارية الصناعية في الأحساء، وقد أخبرني أنه كان يقضي ساعات طويلة في القراءة له، كما كان يسجل له بعض الكتب على أشرطة كاسيت وذلك أيام دراسته الجامعية.

لكن أغرب ما قام به هو زواجه من هذين البلدين «مصر وسوريا» بهدف أن تقرأ زوجاته الكتب التي يشتريها ولا يستطيع قراءتها بسبب فقده للبصر. ولأنه لم يكن يكتفي بالقليل من القراءة فقد كان يصيب بعض زوجاته الملل من كثرتها، فكان يلح عليهن في الاستمرار.“وكان نتيجة ذلك توقفهن عن الاستجابة لما أطلبه منهن بخصوص قراءة الكتب، فأقدمت على تطليق من لم يلتزم [كذا] بذلك”. وهذا ما صرح به لسلمان الحجي في كتابه المذكور أعلاه.

وقد كان لدى الحاج عبد الوهاب بالطبع أعمال تجارية متنوعة لكي يعيش منها، لكن همَّ القراءة كان يسيطر عليه، متنقلًا ما بين كتب التاريخ والفلك والفلسفة والحضارات العالمية المتعددة.

وبلغ من شغفه بالكتب أن سافر مرة إلى لبنان من أجل شراء كتاب بعينه ثم عاد إلى الأحساء. ولأنه لم يفهم الكتاب من أول مرة فقد سجّله على أشرطة كاسيت آنذاك، واستمع إليه أكثر من ستين إلى سبعين مرة «المصدر نفسه - 255».

وواصل مشوار القراءة بشغف وإقبال كبيرين، رغم تأثير ذلك حتى على اختلاطه بالمجتمع حيث قال: وفي المقابل شعرت أنني بعيدًا [كذا] عن مجتمعي، وكأني أعيش العزلة من قلة تفاعل المجتمع معي، لا لسبب إلا لبعد شريحة واسعة من مجتمعنا عن القراءة. «المصدر نفسه»

ونتيجة وعيه المبكر بأهمية الكتب فقد أسس، في عام 1388 هـ ، جمعية أهلية من خمسة أشخاص تحت اسم «جمعية أصدقاء الكتب»، استمر نشاطها عشر سنوات.

وعندما سألت ابنه عليًّا عن كتبه قال إنها بالمئات، لكن لديه الآلاف من أشرطة الكاسيت التي تتضمن تسجيلات لمحتويات الكتب التي يرغب في الاستماع إليها مرارًا وتكرارًا؛ ضاربا بذلك مثلا لكل المبتعدين عن القراءة بحجج واهية. وكانت لديه كذلك بعض التسجيلات بصوته لعدد من القصص والحكايات الشعبية التي سمعها أو عاصرها لا يزال أحفاده يستمعون إليها حتى الآن.

كما دأب على مراسلة عدد من البرامج في الإذاعات الشهيرة، مثل إذاعة لندن، وبالتحديد برنامج «ندوة المستمعين» وغيره. كما اشترك في مجلة الإذاعة «هنا لندن»، ومجلات أخرى مثل مجلة العربي الكويتية.

وبعد أيام من وفاته قال فيه الشاعر علي أحمد المحيسن قصيدة تحت عنوان «عَاشِقُ الحَرْف»:

سَافَرْتَ عَنْ صَبْرِ فَصُنْتَ الْجَوْهَرَا

وَنَثْرَتَ وَعْيًا بِالكَرَامَةِ مُبْهِرَا

مَا كَانَ صَبْرُكَ مُبْتَغَاكَ وَإِنَّمَا

شَابَهْتَ فِيْ «هَجَرَ» النَّخِيْلَ تَصَبُّرَا

كَمْ أَظْلَمَتْ فِيْكَ الْحَيَاةُ وَلَمْ تَزَلْ

فِيْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِكَ مُبْصِرَا

فَفَقَئْتَ عَيْنَ الْجَهْلِ حِيْنَ هَجَرْتَهُ

وَأَقَمْتَ فِيْ سَاحِ الثَّقَافَةِ مِنْبَرَا

أَوْرَثْتَ كَنْزًا مِنْ بَنِيْكَ مُعَتَّقًا

وَغَرَزْتَ فِيْ جِسْمِ الْجَهَالَةِ خَنْجَرَا

يَا عَاشِقَ الْحَرْفِ الْمُنِيْرِ وَمُنْفِقًا

عُمْرًا عِصَامِيَّا يُفًتِّقُ أَنْهُرَا

عَيْنَاكَ قَلْبُكَ، وَالْبَصِيْرَةُ مَسْلَكٌ

لِحَيَاةِ دَرْبٍ قَدْ سَلَكْتَ فَأَثْمَرَا

فَكَفَفْتَ نَفْسَكَ عَنْ سِوَاكَ تَكَرُّمًا

فِيْ عِزَّةٍ؛ كَيْ لا تُبَاعَ وَتُشْتَرَى

لا لَسْتُ أَدْرِي، وَالسُّؤَالُ مَطِيَّتِي

نَحْوَ الْيَقِيْنُ يَجُوْبُ فِيَّ تَصَوُّرَا:

أَتُرَى عَبَرْتَ مِنَ الْعَنَاءِ تَحَدِّيًا

أَمْ كُنْتَ تَبْنِي مِنْ عَنَائِكَ مَعْبَرَا؟!

وَأَرَاهُ غيًّا أَنْ أَقُوْلَ تَخَرُّصًا:

مَاذَا رَأَيْتَ؟ وَهَلْ تُوَافِقُ مَا أَرَى؟