الكراهية تلوح في الأفق من جديد
بالنظر إلى التاريخ الطويل من الصراعات الأخلاقية بين الشعوب الغربية، خاصة في أمريكا وأوروبا، وما تخلل ذلك من معاناة وعنف مؤلم وسيل من الدماء، يمكن القول إن كل ذلك ساهم في بلورة المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان. فقد أسفرت المحن عن الوعي العميق بأهمية حماية الحقوق الأساسية لكل فرد، ما يعكس تطور المجتمعات نحو قيم أكثر عدلًا وإنسانية. إلا أنه من المدهش والمثير للاهتمام أن ثمة قوى قادرة على عكس مسار الزمن، وإعادة تلك المفاهيم إلى نقطة انطلاقها الأساسية، وتقويض كل ما تم بناؤه بعناية من أسس إنسانية، ما يعيد الأداء الإنساني إلى مراحله الأولى، حيث تنعدم القيم والمبادئ التي تتبناها المجتمعات الحديثة. وإلا أليس غريبا أن يصرح عمدة لندن «صادق خان» عندما سألته صحيفة «الجارديان» المحلية ما إذا كان يشعر بالأمان كسياسي مسلم في لندن، حيث قال: «من الواضح أني لست آمنا، ولهذا السبب أعيش بحماية الشرطة على مدار الساعة»، علما أن هذا التصريح ليس جديدا فقد صرح به العام الماضي بأنه تعرض لتهديدات متنوعة منذ انتخابه في 2016 للآن، وأن فريقا من الشرطة يحميه هو وأسرته.
نعم أكثر من 10 أيام والاحتجاجات العنيفة ما زالت تندلع في مدن وبلدات بريطانيا خاصة بعد مقتل ثلاث فتيات في هجوم بسكين من قبل اليمين المتطرف أثناء حفلة أطفال. والملاحظ هنا أنه عندما يرتكب أحد من غير المسلمين جريمة قتل جماعي لا يوصف بالإرهابي، وهذه حالة تتكرر. ولو قرأنا لغة الأرقام نجد أن الغربيين يتصدرون قائمة الأرقام القياسية في ارتكاب أفراد لجرائم قتل جماعي، وفي مقدمتهم ”أندريه بريفيك“ النرويجي، الذي قتل بمفرده 77 نرويجيا في 2011، وبعده ”ستيفين بادوك“ الأمريكي الذي قتل بمفرده 58 شخصا في لاس فيجاس. ثم «روبرت باورز» منفذ الهجوم على المعبد اليهودي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في 2018، وهو رجل أمريكي أبيض، يميني متطرف، فتح سلاحه وقتل 11 شخصا، وكذلك «تيم ماكفيه» الذي فجّر المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما الأمريكية، وقتل عددا كبيرا من الناس الأبرياء.
في الحقيقة «اليمين المتطرف» نموذج يجسد في واقعه العنصرية الفجة، ينخره مرض الكراهية للأجانب، والذي غزا أوروبا تزامنا مع موجات الهجرة إليها. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع نسب البطالة بين شباب أوروبا لتزيد نقمتهم على المهاجرين. اليوم تتعالى أصوات عنصرية من بعض القيادات والمسؤولين في الغرب، تعبر عن آراء متشددة غير متسامحة. ورغم هذا الظلام الذي يخيّم أحيانًا، يبقى شعاع الأمل متألقًا وتستمر الدروس في النور.
إذا لم تتخذ أوروبا وأمريكا خطوات سريعة وفعّالة للحد من هذه الظواهر المقلقة وإسكات هذه الأصوات المثيرة للاشمئزاز، فإنهما قد يفتقدان جوهر ما يميز حضارتهما. وقد نشهد قريبًا عواقب وخيمة، تتمثل في تفشي التطرف وزيادة الكراهية، مّا قد يعيد النسيج الاجتماعي إلى حالة من الاضطراب. وجوانتانامو، الذي أصبح رمزًا للظلم والعنصرية، يمكن أن يعود من جديد نموذجًا صارخًا للنتائج الوخيمة التي قد تترتب على تجاهل مثل هذه القضايا.